القول الرابع: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن قوله ﴿لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ هذا الفعل. فوافق القول الأول في هذه الجملة. ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي: في القبول، بمعنى ولن أقبل غير عبادتي، ولن أقبل عبادتكم، وأنتم كذلك لن تقبلوا. فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل. والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا، يعني لا أعبده ولا أرضاه، وأنتم كذلك. لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته.
وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الهفوات السابقة، فيكون قولاً حسناً جيداً، ومن هنا نأخذ أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر لغير فائدة إطلاقاً، ليس فيه شيء مكرر إلا وله فائدة. لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو، وهو منزه عن ذلك، وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وفي سورة المرسلات ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ تكرار لفائدة عظيمة، وهي أن كل آية مما بين هذه الاية المكررة، فإنها تشمل على نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، ثم إن فيها من الفائدة اللفظية التنبيه للمخاطب حيث يكرر عليه ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ ويكرر عليه ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾.
ثم قال عز وجل: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ ﴿لكم دينكم﴾ الذي أنتم عليه وتدينون به. ولي ديني، فأنا برىء من دينكم، وأنتم بريؤون من ديني.
قال بعض أهل العلم: وهذه السورة نزلت قبل فرض الجهاد؛ لأنه بعد الجهاد لا يقر الكافر على دينه إلا بالجزية إن كانوا من أهل الكتاب. وعلى القول الراجح أو من غيرهم.