ما تظنون أني فاعل بكم؟ وهو الذي كان قبل ثمان سنوات هارباً منهم وكانوا الان في قبضته وتحت تصرفه، قال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لأخوته ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم﴾ [يوسف: ٩٢]. اذهبوا فأنتم الطلقاء، فعفى عنهم عليه الصلاة والسلام، هذا الفتح سماه الله فتحاً مبيناً، فقال تعالى: ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ [الفتح: ١]. أي بيناً عظيماً واضحاً، ولما حصل عرف الناس جميعاً أن العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلّم وأن دور قريش واتباعه قد انقضى فصار الناس ﴿يدخلون في دين الله أفواجاً﴾ أي جماعات بعد أن كانوا يدخلون فيه أفراداً، ولا يدخل فيه الإنسان في بعض الأحوال إلا مختفياً، صاروا يدخلون في دين الله أفواجاً، وصارت الوفود ترد على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة من كل جانب حتى سمي العام التاسع (عام الوفود) يقول الله عز وجل إذا رأيت هذه العلامة ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ كان المتوقع أن يكون الجواب فاشكر الله على هذه النعمة واحمد الله عليها ولكن ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ وهذا نظير قوله تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً. فاصبر لحكم ربك﴾ [الإنسان: ٢٣، ٢٤]. كان المتوقع فاشكر ربك على هذا التنزيل وقم بحقه، ولكن قال: ﴿فاصبر لحكم ربك﴾ إيذاناً بأنه سوف ينال أذىً بواسطة إبلاغ هذا القرآن ونشره بين الأمة ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ عند التأمل تتبين الحكمة فالمعنى أنه إذا جاء نصر الله والفتح فقد قرب أجلك وما بقي عليك إلا التسبيح بحمد ربك والاستغفار ﴿فسبح بحمد ربك﴾ أي سبحه تسبيحاً مقروناً بالحمد. والتسبيح: تنزيه الله تعالى عما لا يليق بجلاله. والحمد: هو الثناء عليه بالكمال مع المحبة والتعظيم. اجمع بين التنزيه وبين الحمد ﴿واستغفره﴾ يعني اسأله المغفرة. فأمره الله تعالى بأمرين:
الأمر الأول: التسبيح المقرون بالحمد.