وتأتي «كافة» بمعنى جميع، مثل «عامة»، كقوله (ص): «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة»(٢)؛ ووجه ارتباطها بالمعنى الأصلي - الذي هو الكف - أن الجماعة لها شوكة ومنعة تكف بجمعيتها من أرادها بسوء؛ وهنا قال تعالى: ﴿ ادخلوا في السلم كافة ﴾ هل المراد ادخلوا في السلم جميعه، فتكون ﴿ كافة ﴾ حالاً من ﴿ السلم ﴾؛ أو ادخلوا أنتم جميعاً في السلم، وتكون ﴿ كافة ﴾ حالاً من الواو في قوله تعالى: ﴿ ادخلوا ﴾؟ الأقرب: المعنى الأول؛ لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني: ادخلوا جميعاً في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخل في الإسلام؛ وحينئذ فلا يصح أن يوجه إليه النداء بوصف الإيمان؛ فالمعنى الأول هو الصواب أن ﴿ كافة ﴾ حال من ﴿ السلم ﴾ يعني ادخلوا في الإسلام كله؛ أي نفذوا أحكام الإسلام جميعاً، ولا تدعوا شيئاً من شعائره، ولا تفرطوا في شيء منها؛ وهذا مقتضى الإيمان؛ فإن مقتضى الإيمان أن يقوم الإنسان بجميع شرائع الإسلام.
قوله تعالى: ﴿ ولا تتبعوا خطوات الشيطان ﴾؛ نهي بعد أمر؛ لأن اتباع خطوات الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة؛ و﴿ خطوات ﴾ جمع خُطوة؛ و«الخطوة» في الأصل هي ما بين القدمين عند مدِّهما في المشي.
قوله تعالى: ﴿ إنه لكم عدو مبين ﴾: الجملة تعليلية مؤكدة بـ «إن» ؛ فتفيد شدة عداوة الشيطان لبني آدم؛ والعدو من يبتغي لك السوء؛ وهو ضد الوليّ؛ و﴿ مبين ﴾ أي بيِّن العداوة؛ ويجوز أن تكون بمعنى مظهر للعداوة؛ لأن «أبان» الرباعية تصلح للمعنيين؛ ولا شك أن الشيطان بيِّن العداوة؛ ومظهر لعداوته؛ ألا ترى إلى إبائه السجود لأبينا آدم مع أن الله أمره به في جملة الملائكة.
الفوائد:
١ - من فوائد الآية: فضل الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾؛ لأن هذا النداء تشريف وتكريم.