)هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) (الكهف: ١٥)
قوله تعالى: ﴿ هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾ يشيرون إلى وجهة نظرهم في انعزالهم عن قومهم، قالوا: ﴿ هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا ﴾ أي صيَّروا آلهة من دون الله، عبدوها من دون الله.
( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) يعني هلَّا ﴿ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي على هذه الآلهة، أي: على كونها آلهة وكونهم يعبدونها. فالمطلوب منهم شيئان:
١ - أن يثبتوا أن هذه آلهة.
٢ - أن يثبتوا أن عبادتَهم لها حق، وكلا الأمرين مستحيل.
( بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ) السلطان كلُّ ما للإنسان به سُلطة، قد يكون المراد به الدليل مثل قوله تعالى)إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا )(يونس: من الآية٦٨)، وقد يكون المراد به القوة والغلبة مثل قوله تعالى عن الشيطان: )إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل: ١٠٠) وقد يكون الحجة والبرهان كمافي قوله تعالى: ﴿ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ﴾ أي بحجة ظاهرة يكون لهم بها سُلطة؛ ولهذا قالوا:
( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) الفاء للتفريع، مَن: استفهام بمعنى النفي، أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، واعلم أن الاستفهام إذا ضُمِّن معنى النفي صار فيه زيادة فائدة، وهي أنه يكون مُشْرَباً معنى التحدي لأن النفي المجرد لا يدل على التحدي، لو قلت: "ما قام زيد"، ما فيه تحدي، لكن لو قلت: "من أظلم ممن افترى على الله كذباً" فهذا تحدي، كأنك تقول: أخبرني أو أوجد لي أحداً أظلم ممن افترى على الله كذباً.