لا يكون فيه، فإن كان فيه فقد ارتكبت هذا النهي، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه وارتكبت النهي أيضاً، ثم قال - عز وجل -: ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان ﴾ يعني بئس لكم أن تنقلوا من وصف الإيمان إلى وصف الفسوق، فإذا ارتكبتم ما نهى الله عنه صرتم فسقة، فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقاً، وإذا ارتكب صغيرة وكررها وأصرّ عليها صار فاسقاً، فلا تجعل نفسك بعد الإيمان وكمال الإيمان فاسقاً، هذا معنى قوله: ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان ﴾ لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذم، وما أفاد الذم فإنه منهي عنه بلا شك، فاستفدنا من هذه الآية الكريمة تحريم السخرية، وتحريم لمز الغير، وتحريم التنابز بالألقاب، وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمناً، والفسق ليس وصفاً على اللسان فقط، بل يترتب عليه أحكام، فمثلاً قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون وليًّا على ابنته، فيزوجها من يصح أن يكون وليًّا من أقاربها، فإن لم يكن لها أقارب أو خافوا من أبيها إن زوَّجها فيزوِّجها القاضي، والفاسق لا تقبل شهادته؛ لأن الله تعالى قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾ فيشهد عند القاضي بحق، فيقول القاضي: لا نقبلك؛ لأنك فاسق، والفاسق لا يصلح أن يكون إماماً بالناس في الصلاة، والفاسق الذي يظهر فسقه لا يصح أذانه، كل هذا قال به العلماء رحمهم الله، وإن كان في بعض هذه المسائل خلاف، لكني أقول: إن كلمة فاسق ليست بالأمر الهين حتى يقولها الإنسان ﴿بئس الاسم ﴾ ولهذا ذمه الله، فقال: ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ﴾ يعني من كان يفعل هذه الأشياء الثلاثة، ولم يتب فأولئك هم الظالمون، فالذي لا يتوب يكون ظالماً، والظلم كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - «ظلمات يوم القيامة» ()، وإذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور، فيجب الحذر مما


الصفحة التالية
Icon