ذلك الظاهر، وفي هذه الجملة من الآية قراءة أخرى (ولا تحسسوا) فقيل: معناهما واحد، وقيل: بل لكل واحدة منهما معنى، والفرق هو أن التجسس أن يحاول الإنسان الاطلاع على العيب بنفسه، والتحسس أن يلتمسه من غيره، فيقول للناس مثلاً: ما تقولون في فلان، ما تقولون في فلان؟ وعلى هذا فتكون القراءتان مبينتين لمعنيين كلاهما مما نهى الله عنه، لما في هذا من إشغال النفس بمعايب الآخرين، وكون الإنسان ليس له هم إلا أن يطلع على المعايب، ولهذا من ابتلي بالتجسس أو بالتحسس تجده في الحقيقة قلقاً دائماً في حياته، وينشغل بعيوب الناس عن عيوبه، ولا يهتم بنفسه، وهذا يوجد كثيراً من بعض الناس الذين يأتون إلى فلان وإلى فلان، ما تقول في كذا؟ ما تقول في كذا؟ فتجد أوقاتهم ضائعة بلا فائدة، بل ضائعة بمضرة؛ لأن ما وقعوا فيه فهو معصية لله - عز وجل - هل أنت وكيل عن الله - عز وجل - تبحث عن معايب عباده، والعاقل هو الذي يتحسس معايب نفسه، وينظر معايب نفسه ليصلحها، لا أن ينظر في معايب الغير ليشيعها - والعياذ بالله - ولهذا قال الله - عز وجل -: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ﴾ فعلى كل حال هذه آداب وتوجيه من الله - عز وجل - إلى أخلاق فاضلة، مأمور بها، وأخلاق منهي عنها.
﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾ الغيبة فسرها النبي ﷺ بقوله: «ذكرك أخاك بما يكره» وهذا تفسير من الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهو أعلم الناس بمراد الله - تبارك وتعالى - في كلامه: «ذكرك أخاك بما يكره»، سواء كان ذلك في خلقته، أو خلقه، أو في أحواله، أو في عقله، أو في ذكائه، أو في غير ذلك، مثل أن تقول: فلان قبيح المنظر، دميم، فيه كذا، فيه كذا، تريد معايب جسمه، أو في خُلقه بأن تقول: فلان أحمق، سريع الغضب، سيء التصرف، وما أشبه ذلك، أو في خلقته الباطنة كأن تقول: فلان بليد، فلان لا يفهم، فلان سيء الحفظ، وما أشبه هذا، ورسول الله صلى


الصفحة التالية
Icon