يخالفون، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا.
وقيل: إنهم أعراب غير منافقين، لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظاهر الشرع، لكن قلوبهم ضعيفة، وإيمانهم ضعيف.
وعلى القول الأول: يكون قوله: ﴿ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ أنه لم يدخل أصلاً، وعلى الثاني: أي لما يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، ففيهم إيمان لكن لم يصل الإيمان في قلوبهم على وجه الكمال، والقاعدة عندنا في التفسير أن الآية إذا احتملت معنيين، فإنها تحمل عليهما جميعاً إذا لم يتنافيا، فإن تنافيا طلب المرجح.
فالأعراب الغالب عليهم أنهم لا يعرفون حدود ما أنزل الله على رسوله، فيقولون آمنا، فقال الله تعالى يخاطب النبي ﷺ :﴿قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ ووجه ذلك أن الإسلام في القلب، وهو صعب، والإسلام علامة في الجوارح، وكل إنسان يمكن أن يعمل بجوارحه عملاً متقناً كأحسن ما يكون، فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج أنهم يقرءون القرآن، وأنهم يصلون، وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، ومع ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم» () نسأل الله العافية، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وهذا يدل على أن الإسلام يستطيعه كل إنسان يمكن أن يصلي ويسجد ويقرأ ويصوم ويتصدق وقلبه خالٍ من الإيمان، ولهذا قال: ﴿قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ وهنا التعبير يقول: ﴿لما يدخل ﴾ ولم يقل: (ولم يدخل)، قال العلماء: إذا أتت (لما) بدل (لم) كان ذلك دليلاً على قرب وقوع ما دخلت عليه، فمثلاً إذا قلت: (فلان لمّا يدخلها) أي أنه قريب منها، ومنه قوله تعالى: ﴿بل هم في شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب ﴾ أي لم يذوقوه، ولكن قريب منه، وهنا قال: (لما يدخل) أي لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولكنه قريب من الدخول،


الصفحة التالية
Icon