رحمه الله، ظل حياته سجينا.. مالك رحمه الله كسر ذراعه فى فتوى سياسية، فقد أفتى بأن أيمان التواطؤ على البيعة لا قيمة لها، فكسرت ذراعه، وأصبح لا يخرج للناس فى صلاة الجمعة.. والشافعى رحمه الله، لولا حنكته لمات قتيلا، فقد قبض عليه مع تسعة آخرين قتلوا جميعا. ص _١٤٧
فالفساد السياسى عندنا له أثر أكبر من غيره، ولذلك أحب أن يلتفت المسلمون إلى أن الفساد السياسى سيعيق نهضتهم ما بقى هؤلاء الساسة المستبدون وما بقى حكم الفرد والاستبداد السياسى.. لكننا حائرون! الرعاع الذين حكموا فى العالم العربى باسم الثورة الاشتراكية، والديمقراطية، كان لهم بطش لم يعرفه الأباطرة الظلمة من آل عثمان، ولا خلفاء السوء من العباسيين! والمؤسف أن ظلت تقاليد بعض الأسر الحاكمة، أشرف من الحريات التى ادعاها هؤلاء الرعاع! يبقى صعبا قبول المعادلة: أن يكون هذا القرآن الذى ينشئ أمة ويحضها على التفكير، والنظر، والبناء، وارتياد الآفاق العلمية، ويحصنها ضد الاستبداد السياسى وما إلى ذلك، أن تقع أسيرة فى فترات من تاريخها لنماذج من الحكام الظلمة يتصرفون بشئونها! أمة لها ميراث ثقافى وحضارى وتاريخى، حتى فى مجال الحكم، فى الفترة الراشدة، تغتال هذه المعانى فيها، وتقع من ثم أسيرة فى قبضة حكام مستبدين فى فترات معينة، فتلك معادلة يصعب قبولها. دولة الخلافة الراشدة، لها قسمان: قسم معترف بأن لا نظير له "دولة أبى بكر وعمر". أنا أرى أن عثمان وعليا رضى الله عنهما، بالرغم مما حولهما من لغط كثير، يمثلون فعلا الخلاقة الراشدة.. لأن عثمان رضى الله عنه لم يفكر قط، بتعبير العصر الحديث، بأن يأمر بإطلاق الرصاص على الجماهير.. بل كان طيعا فى أيدى الجماهير، وشاعرا بأنه لا يملك الاستئثار بالأمر برمته.. ولعلى أظن أن العرب فوجئوا بهذا اللون من النظام الذى أعطاهم حريات ما كانوا يحلمون بها، فلم يحسنوا استغلالها، فكان رد الفعل أن سلبوا الخلافة الراشدة،


الصفحة التالية
Icon