لقد رأيت كلاما للغزالى فى العدل الاجتماعى لم أر مثله.. وبعض كتبه لم تصل إلينا.. على كل حال، ابن تيمية، والغزالى، وغيرهم من كبار الأئمة، لم يكونوا كبارا لأنهم اعتمدوا على مذهب من المذاهب الفقهية أو مدرسة من المدارس الفكرية فى الإسلام، إنما كان اعتمادهم على الكتاب، تأملا فى محاوره كلها، وآفاقه كلها، وميادينه كلها.. وهذا ما جعلهم أئمة. فالغزالى عندما تكلم عن تشريح العين، حدد عناصر التشريح بسبعة.. قال لى الدكتور محمد يوسف موسى :(إن التشريح يتكون من ثمانية عناصر). لذلك نرى الخلاف فى عدد العناصر محدود.. ومعنى هذا أن الرجل كان يتفكر فى الكون، فى النفس، فى الجسم.. يمشى مع القرآن فى التدبر والتأمل.. وهذا شىء جميل.. بينما نجد التفكير الفقهى هو الذى حبس العالم الإسلامى فى القرن الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر، حبسه فى كيفيات الوضوء! وفى المسجد، وفى بعض الأسواق التى تبيع الأنعام، وبعض صور البيع الساذجة والنخاسة! أما ما عدا هذا من آفاق تحدث الإسلام فيها، لم تأخذ الاهتمام المطلوب.. ويخيل إلى أن من كان يتلو قوله تعالى: أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا كان كمن يقول كلاما من المريخ لا تعرف الأمة معناه، ولا مغزاه، ولا تمشى فى هداه؟ لأن الأمر الذى تمشى فى هداه تماما متون فى بعض المذاهب الفقهية. وهذا شىء عجب! وعندما ألفت كتابى "فقه السيرة" كانت هذه الفكرة تملكنى، وأن القرآن أساس، والسيرة النبوية تطبيق قرآنى.. والرسول ﷺ قرآن حى يمشى على الأرض.. والسنن تسير فى نطاق القرآن.. والسنن العملية التى طبقها الرسول ﷺ فى سيرته، هى الأساس، وهى التى يسير عليها من تحدثوا عن الهدى النبوى كابن تيمية وابن القيم.. ص _١٦٥