صفحة رقم ١٠٤
بعد إبائه وشهادة عليه بجهله في ادعائه، وجعل له ذلك فيما هو متنزل عن رتبة علمه فلم تلحقه فيه فتنة حفيظة على خلافته وأنزلت معصيته إلى محل مطعمه الذي هو خصوص حال المرء من جهة أجوفية خلقه ليبدو نقص الأجوف ويبدي ذلك إكبار الصمد الذي يُطْعِم ولا يُطعَم، فكان ذلك من فعله تسبيحاً بحمد ربه ؛ لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيراً له انتهى.
ولما كان السياق هنا لمجرد بيان النعم استعطافاً إلى المؤالفة كان عطف الأكل بالواو في قوله :( وكلا منها ( كافياً في ذلك، وكان التصريح بالرغد الذي هو من أجل النعم عظيم الموقع فقال تعالى :( رغداً ) أي واسعاً رافهاً طيباً هنيئاً ) حيث ) أي أيّ مكان ) شئتما ( بخلاف سياق الأعراف فإنه أريد منه مع التذكير بالنعم التعريف بزيادة التمكين وأنها لم تمنع من الإخراج تحذيراً للمتمكنين في الأرض المتوسعين في المعايش من إحلال السطوات وإنزال المثلاث، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم المقصود من حكاية القصص في القرآن إنما هو المعاني فلا يضر اختلاف اللفظ إذا أدى جميع المعنى أو بعضه ولم يكن هناك مناقضة فإن القصة كانت حين وقوعها بأوفى المعاني الواردة ثم إن الله تعالى يعبر لنا في كل سورة تذكر القصة فيها بما يناسب ذلك المقام في الألفاظ عما يليق من المعاني ويترك ما لا يقتضيه ذلك المقام، وسأبين ما يطلعني الله عليه من ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
ولما أباح لهما سبحانه ذلك كله أتبعه بالنهي عن شجرة واحدة.
قال الحرالي : وأطلق له الرغد إطلاقاً وجعل النهي عطفاً ولم يجعله استثناء ليكون آدم أعذر في النسيان لأن الاستثناء أهم في الخطاب من التخصيص وقال :( ولا تقربا ( ولم يقل : ولا تأكلا، نهياً عن حماها ليكون ذلك أشد في النهي - انتهى.
) هذه ( ولما كان اسم الإشارة لا دلالة له على حقيقة الذات افتقر إلى بيان ذات المشار إليه فقال :( الشجرة ) أي فإنكما إن قربتماها تأكلا منها ) فتكونا ) أي بذلك ) من الظالمين ) أي الواضعين الشيء