صفحة رقم ١٣٠
بذلك لأنه أشد البلاء على النفس لما فيه من استحقارها، من السوم وهو تعذي ببتهاون بالمعذب، والسوم ما يشتد، تنكر النفس له وتكرهها، ثم فسر هذا بقوله ) يذبحون ( من التذبيح وهو تكرار الذبح، والذبح قطع بالغ في العنق - قاله الحرالي.
ولما كان كل من ذبح الابن وحياة المرأة بغير رجل أفحش وكانت البنت إذا بقيت صارت امرأة عبر بالأبناء والنساء فقال ) أبناءكم ) أي سوقاً لكم مساق البهائم ) ويستحيون ( قال الحرالي : من الاستحياء وهو استبقاء الحياة ) نساءكم ( من معنى الاتخاذ للتأهل الملابس في معنى ما جرى منه اشتقاق الإنس والإنسان والنسوة باشتراكها في أحد الحروف الثلاثة من الهمزة أو الواو أو الياء مع اجتماعها في النون والسين - انتهى.
ثم نببهم على ما فيه من العظم بقوله ) وفي ذلكم ( فأشار بأداة البعد مقرونة بالميم ) بلاء ) أي اختبار ) من ربكم ) أي المحسن إليكم في حالي الشدة والرخاء ) عظيم ( قال الحرالي : البلاء الاختبار هو إبداء خبرة الشيء بشدة ومحنة، وفيه إشعار باستحقاقهم ذلك واستصلاحهم بشدته دون ما هو أيسر منه، وذكره بالعظم لشياعه في الأجسام والأنفس والأرواح، وذكر معنى النجاة ثم فصله تفصيلاً لكيفيته بعد ذلك تعداداً لنعمة النجاة التي هي تلو رحمة الإنعام التي هي تلو رفعة التقدم بالعهد، فانتهى الخطاب نهايته في المعنى يعني فلما قررهم تعالى على ما اقترفوه قبل موسى عليه السلام حين أصابهم من آل فرعون ما أصابهم استجدّ لهم تذكيراً بنعمة نجاة من عقوبة متقدم أعمالهم - انتهى.
ولما كان ما فعل بهم في البحر إهلاكاً للرجال وإبقاء للنساء طبق ما فعلوا ببني إسرائيل عقبه به فقال ) وإذ ) أي واذكروا إذ ) فرقنا ( من الفرق وهو إفراج الواحد لحكمة إظهار التقابل - قاله الحرالي.
فصارت لكم مسالك على عدد أسباطكم ) بكم ) أي بسببكم عقب إخراجنا لكم من أ سر القبط ) البحر ( قال الحرالي : هو المتسع الرحب البراح مما هو ظاهر كالماء، ومما هو باطن كالعلم الذي منه الحبر، تشاركا بحروف الاشتقاق في المعنى.
) فأنجيناكم ( من الإنجاء وهو الإسراع في الرفعة عن الهلاك إلى نجوة الفوز - انتهى.
ومن عجائب ذلك أنه كما كان الإنجاء منه كان به.
قال الحرالي : وجعل البحر مفروقاً بهم كأنهم سبب فرقة، فكأن نجاتهم هي السبب وضرب موسى عليه السلام بالعصاة هي الأمارة والعلامة التي انفلق البحر عندها بسببهم، وجعل النجاة من بلاء فرعون تنجية لما كان على تدريج، وجعل النجاة من البحر إنجاء لما كان وحياً في سرعة وقت - انتهى.
) وأغرقنا آل فرعون ( فيه وبه ) وأنتم تنظرون ( إسراعه إليهم في انطباقه عليهم، وهذا مثل ما خاض العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه البحر


الصفحة التالية
Icon