صفحة رقم ١٣٣
الذي ناجاه ربّه منع الرؤية فكيف بهم وذلك هو ظلمهم، فوضعوا الإله محل الشيء المحسوس وهو تعالى قد تعالى عن أن يراه صفيه الذي ناجاه في دنياه وإنما ناجاه بعد ميقاته، وهم يهمون في تألّه مرثي من غير مواعدة ولا اختصاص وفي قوله تعالى ) من بعده ) أي من بعد إتيانه لميعادنا إضمار لذكر موسى عليه السلام تقريراً لما كان ينبغي أن يكونوا عليه من الارتقاب لما يأتيهم به موسى من فوائد المناجاة، كما يكون من تعلق قلبه بمن هو قدوته، والبعد بعد عن حد يتخذ مبدأ ليكون سابقه قبل ولاحقه بعد - انتهى.
وإثبات الجار لأن اتخاذهم ذلك لم يستغرق زمان البعد ) وأنتم ظالمون ( فاعلون فعل من هو في أظلم الظلام بعد أنجاءكم موسى بالنور المبين.
ولما كان ذلك مقتضياً لأعظم السخط المقتضي من القادر للمعاجلة بالأخذ ذكرهم نعمة الإمهال بعده فقال مشيراً غلى عظم الذنب والنعمة بأداة التراخي :( ثم عفونا (.
وقال الحرالي : ثم تجاوز الخطاب ما أصابهم من العقوبة على اتخاذهم إلى ذكر العفو تقريراً على تكرر تلافيهم حالاً بعد حال وقتاً بعد وقت، كلما أحدثوا خطيئة تداركهم منه عفو، وخصه باسم العفو لما ذكر ذنوبهم، لأن المغفور له لا يذكر ذنبه، فإن العفو رفع العقوبة دون رفع ذكرها، والغفر إماتة ذكر الذنب مع رفع العقوبة - انتهى.
) عنكم ( ولم نعاجلكم بالأخذ، وفي قوله تعالى من بعد ذلك أي الذنب العظيم إشعار بما أصابهم من العقوبة وخطاب لبقية المعفو عنهم، لينتهي الأمر فيهم إلى غاية يترجّى معها لبقيتهم الشكر - قاله الحرالي.
وكان الإشعار من جهة أدخال من، على الظرفية، فاقتضى مهلة بين العفو والذنب لم يشملها العفو بل كان فيها عقوبة، كما اقتضى قوله : من بعده، مهلة بين اتخاذهم العجل وأول ذهاب موسى عليه السلام للمناجاة ؛ ويجوز أن يكون أفرد حرف الخطاب إشارة غلى أنه لا يعلم جميع ما في دينهم من الشناعة إلا إمام أهل التوحيد النبي ( ﷺ ) ) لعلكم تشكرون ) أي ليكون حالكم حال من يتوقع منه الشكر.
قال الحرالي : وهو ظهور بركة الباطن على الظاهر، يقال : دابة شكور، إذا أنجح مأكلها بظهور سمنها ؛ وفيه إشعار بأن منهم من يشكر وفيهم من يتمادى بما في ترجى كلمة لعل، من الإبهام المشعر بالقسمين والمهيئ لإمكان ظهور الفريقين حتى يظهر ذلك لميقاته، لأن كل ما كان في حق الخلق تردداً فهو من الله سبحانه إبهام لمعلومه فيهم ؛ على ذلك تجري كلمة لعل وعسى ونحوها - انتهى.
ولما كان في ذلك دليل على سوء طباعهم وعكس مزاجهم وأنهم لا يحفظون عهداً ولا يستقيمون على نهج ذكرهم بنعمة الكتاب الذي من شأنه الضبط في جميع الأحوال بالرجوع إليه عند الضلال فقال : وقال الحرالي : لما ذكر تعالى أمر موسى عليه السلام وهو خاص أمرهم فصل لهم أمر ما جاء به موسى وما كان منهم فميا جاء به -