صفحة رقم ١٣٧
في المعنى نيل، وذلك لسر من أسرار العلم بمواقع معاني الأسماء الحسنى فيما يناسبها من ضروب الخطاب والأحوال والأعمال، وهو من أشرف العلم الذي يفهم به خطاب القرآن حتى يضاف لكل اسم ما هو أعلق في معناه وأولى به وإن كانت الأسماء كلها ترجع معاني بعضها لبعض، ) فأخذتكم ( من الأخذ وهو تناول الشيء بجملته بنوع بطش وقوة - انتهى.
أي لقولكم هذا لما فيه من الفظاعة وانتهاك الحرمة، ) الصاعقة ( قيل : هي صيحة، وقيل : نار نزلت من السماء فأحرقتهم، ويؤيده قوله ) وأنتم تنظرون ) أي تلك الصاعقة فأماتتكم، لأنكم كنتم في طلبكم رؤيته على ضرب من حال عبدة العجل، فأماتكم كما أماتهم بالقتل.
ولما كان إحياؤهم من ذلك في الدار في غاية البعد و خرق العادة عبر عنه بأداة التراخي ومظهر العظمة فقال ) ثم بعثناكم ) أي بما لنا من العظمة بالإحياء.
قال الحرالي : من البعث وهو الاستثارة من غيب وخفاء، أشده البعث من القبور، ودونه البعث من النوم ؛ قال : وتجاوز الخطاب ما كان من سبب بعثهم، وكذلك كل موضع يقع فيه ثم، ففيه خطاب متجاوز مديد الأمد كثير رتب العدد مفهوم لمن استوفى مقاصد ما وقعت كلمة ثم، بينه من الكلامين المتعاطفين ؛ ففي معنى التجاوز من الخطاب سؤال موسى عليه السلام ربه في بعثهم حتى لا يكون ذلك فتنة على سائرهم - انتهى.
ولما كان ربما ظن أن البعث من غشى ونحوه حقق معناه مبيناً أنه لم يستغرق زمن البعد بقوله :( من بعد موتكم ) أي هذا بتلك الصاعقة، وقال دالاً على أن البعث إلى هذه الدار لا يقطع ما بنيت عليه من التكليف لأنها دار الأكدار فلا بد من تصفية الأسرار فيها بالأعمال والأذكار ) لعلكم تشكرون ) أي لتصير حالكم حال من يصح ترجي شكره لهذه النعمة العظيمة، وكل ما جاء من لعل، المعلل بها أفعال الرب تبارك وتعالى ينبغي أن تؤول بنحو هذا، فإن لعل، تقتضي الشك لأنها للطمع والإشفاق فيطمع في كون مدخولها ويشفق من أن لا يكون، وتارة يكون الشك للمخاطب وتارة يكون للمتكلم، ولو قيل : لتشكروا، لم يكن هناك شك - قاله الرماني في سورة يوسف عليه السلام.
وقال الحرالي : وفي لعل، إبهام معلومه فيهم بأن منهم من يشكر ومنهم من لا يشكر - ا نتهى.
وسيأتي في سورة طه إن شاء الله تعالى عن نص سيبويه في كتابه ما يؤيد ما ذكرته.


الصفحة التالية
Icon