صفحة رقم ١٤٢
وأدق إشارة بمحوها وهي أقل من أن يباشرها بنفسه المقدسة، كل ذلك استعطاف إلى التوبة..
والغفر قال الحرالي : ستر الذنب أن يظهر منه أثر على المذنب لا ع قوبة ولا ذكر - ثم قال : ففي قراءة ) نغفر ( تول من الحق ومن هو من حزبه من الملائكة والرسل، وفي قراءة : تغفر، إبلاغ أمر خطابهم بما يفهمه التأنيث من نزول القدر، وفي قراءة الياء توسط بين طرفي ما يفهمه علو قراءة النون ونزول قراءة التاء، ففي ذلك بجملته إشعار بأن خطاياهم كانت في كل رتبة مما يرجع إلى عبادة ربهم وأحوال أنفسهم ومعاملتهم مع غيرهم من أنبيائهم وأمثالهم حتى جمعت خطاياهم جميع جهات الخطايا الثلاث، فكأنهم ثلاثة اصناف : صنف بدلوا، وصنف اقتصدوا، وصنف أحسنوا فيزيدهم الله ما لا يسعه القول و
٧٧ ( ) هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ( ) ٧
[ الرحمن : ٦٠ ] انتهى.
ولما كان السياق هنا لتعداد النعم حسن أن يعبر عن ذنوبهم بجمع الكثرة فقال ) خطاياكم ( إشارة إلى أنهم أصروا عليها بحيث كادوا أن يجعلوا بإزاء كل نعمة ذنباً، والخطايا جمع خطيئة من الخطأ وهو الزلل عن الحد عن غير تعمد بل مع عزم الإصابة أو وَدَّ أن لا يخطئ - هكذا قال الحرالي، والظاهر أن المراد هنا ما كان عن عمد كائناً ما كان، لأن ذلك أولى بسياق الامتنان والعقوبة بالعصيان.
قال في القاموس : والخطيئة الذنب أو ما تعمد منه والخطأ ما لم يتعمد، جمعه خطايا، وقرئ شاذاً : خطيئاتكم، بالجمع السالم الدال على القلة إشارة إلى أنّها وإن تكاثرت فهي في جنب عفوه قليل، وهذا بخلاف الأعراف فإن السياق هناك لبيان إسراعهم في الكفر كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وناسب عدّ النعم العطف على ما تقدم منها بقوله :( وسنزيد المحسنين ) أي بعد غفران ذنوبهم.
قال الحرالي : جمع محسن من الإحسان وهو البلوغ إلى الغاية في حسن العمل، فيكون مع الخلق رؤية المرء نفسه في غيره فيوصل له من البر ما يجب أن يفعل معه، ورؤية العبد ربّه في عبادته، فالإحسان فيما بين العبد وربّه أن يغيب عن نفسه ويرى ربه، والإحسان فيما بين العبد وغيره أن يغيب عن غيره ويرى نفسه، فمن رأى نفسه في حاجة الغير ولم ير نفسه في عبادة الرب فهو محسن، وذلك بلوغ في الطرفين إلى غاية الحسن في العمل بمنزلة الحسن في الصورة - انتهى.
ولمّا كان هذا التصريح بالترغيب المتضمن للتلويح بالترهيب مقتضياً للعاقل المبادرة غلى الطاعة بين أنه تسبب عنه أن بعضهم عصوا وكفروا هذه النعمة ا لعظيمة ولم يقتصروا على ترك هذا الأمر بل بدلوه بدخولهم كما في الحديث ( يزحفون على أستاههم قائلين : حبة في شعرة ) أي جنس الحب في جنس الشعرة أي في الغرائر مطلوبنا لا


الصفحة التالية
Icon