صفحة رقم ١٧٨
لما فتحت خيبر أهديت للنبي ( ﷺ ) شاة فيها سم، فقال النبي ( ﷺ ) :( اجمعوا لي من كان ههنا من يهود، فجمعوا له فقال : إن سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ؟ فقالوا : نعم، فقال لهم النبي ( ﷺ ) : من أبوكم ؟ قالوا فلان، فقال : كذبتم، بل أبوكم فلان، قالوا : صدقت وبررت، قال : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم : من أهل النار ؟ قالوا : نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال النبي ( ﷺ ) : اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبداً، ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم، قال : هل جعلتم في هذه الشاة سماً ؟ قالوا : نعم، قال : ما حملكم على ذلك ؟ قالوا : أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك ) ولما ادعوا ذلك كان كأنه قيل : فيما ذا نرد عليهم ؟ فقال ) قل ( منكراً لقولهم ) اتخذتم ( في ذلك ) عند الله ) أي الذي له الأمر كله ) عهداً فلن ) أي فيتسبب عن ذلك أنه يوفي بعهده، لأنه ) يخلف الله ( الذي له صفات الكمال ) عهده أم ( لم يكن ذلك فأنتم ) تقولون على الله ( المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) ما لا تعلمون ( ومعنى الإنكار في الاستفهام أنه ليس واحد من الأمرين واقعاً، لا اتخذتم عهداً ولا قلتم ذلك جهلاً، بل قلتموه وأنتم تعلمون خلافه، ولما انتفى الأمران علم أن الكائن غير ما ادعوه فصرح به في قوله :( بلى ) أي لتمسنكم على خلاف ما زعمتموه، فإنّ بلى كلمة تدل على تقرير يفهم من إضراب عن نفي كأنها بل وصلت بها الألف إثباتاً لما أضرب عن نفيه - قاله الحرالي.
ونعم جواب لكلام لا جحد فيه.
ولما أضرب سبحانه عما قالوه من القضاء في الأعيان قاضياً عليهم بالخسران علل ذلك بوصف هم به متلبسون معلماً بأن من حق الجاهل بالغيب الحكم على الأوصاف التي ناط علام الغيوب بها الأحكام فقال :( من كسب سيئة ) أي عملاً من حقه أن يسوء ) وأحاطت به خطيئة ( بحيث لم يكن شيء من أحواله خارجاً عن الخطيئة بل كانت غامرة لكل ما سواها من أعماله، ولا يكون ذلك إلاّ للكفر الهادم لأساس الأعمال الذي لا يتأتى بقاء الأعمال بدونه.
ولما كان إفراد الضمير أنصّ على جزاء كل فرد والحكم بالنكال على الكل أنكأ وأروع وأقبح وأفظع وأدل على القدرة أفرد ثم جمع


الصفحة التالية
Icon