صفحة رقم ١٨٢
ولا تؤذوا الأرامل والأيتام، فإن آذبتموهم فصلوا بين يدي أسمع صلاتهم وأستجيب لهم فيشتد غضبي وأقتلكم في الحرب وتكون نساؤكم أرامل وبنوكم يصيرون يتامى، وإن أسلفت رزقك للمسكين الذي معك من شعبي فلا تكونن له كالغريم، ولا تأخذن منه رباً ؛ ثم قال : ولا تقبلن الرشوة، فإن الرشوة تعمي أبصار الحكماء في القضاء وترد فلج الصالحين.
ولما كان أكبر الكبائر بعد الشرك القتل تلاه بالتذكير بما أخذ عليهم فيه من العهد، وقرن به الإخراج من الديار لأن المال عديل الروح والمنزل أعظم المال وهو للجسد كالجسد للروح فقال :( وإذ أخذنا ميثاقكم ( يا بني إسرائيل ) لا تسفكون دماءكم ) أي لا يسفك بعضكم دماء بعض ) ولا تخرجون أنفسكم (، قال الحرالي : وأصلها ما أدارته العرب من البيوت كالحلقة استحفاظاً لما تحويه من أموالها - انتهى.
ولما كانوا قد نكصوا عند حقوقِ الأمر فلم يقبلوا ما أتاهم من الخير حتى خافوا الدمار بسقوط الطور عليهم أشار إلى ذلك بقوله :( ثم أقررتم ) أي بذلك كله بعد ليّ وتوقف، والإقرار إظهار الالتزام بما خفي أمره - قاله الحرالي :( وأنتم تشهدون ( بلزومه وتعاينون تلك الآيات الكبار الملجئة لكم إلى ذلك، وقد مضى مما يصدق هذا عن التوراة آنفاً ما فيه كفاية للموفق، وسيأتي في المائدة بقيته، إن شاء الله تعالى.
ولما كان هذا بما أكد به من ذكر الميثاق في مظهر العظمة وإضافة الجناية إلى نفس الجاني جديراً بالبعد منه أشار إلى ذلك بقوله :( ثم أنتم هؤلاء ( الحقيرون المقدور عليهم المجهولون الذين لا يعرف لهم اسم ينادون به، أو الموجودون الآن ؛ ثم استأنف البيان عن هذه الجملة فقال :( تقتلون أنفسكم ( من غير التفات إلى هذا العهد الوثيق ) وتخرجون فريقاً منكم ) أي ناساً هم أشقّاء لكم فهم جديرون منكم بالإحسان لا بالإخراج ) من ديارهم (.
ولما كان من المستبعد جداً بعد الاستبعاد الأول أن يقعوا في ذلك على طريق العدوان استأنف البيان لذلك بقوله :( تظاهرون ) أي تتعاونون، من التظاهر، وهو تكلف المظاهرة وهي تساند القوة كأنه استناد ظهر إلى ظهر - قاله الحرالي :( عليهم بالإثم ) أي مصاحبين للإثم وهو أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال، ويقال لكذوب : أثوم، لاعتدائه بالقول على غيره، والإثم الخمر لما يقع بها من العدواة والعدوى - قاله الحرالي :( والعدوان ) أي والامتلاء في مجاوزة الحدود ) وإن يأتوكم ) أي هؤلاء الذين تعاونتم أو عاونتم عليهم ) أسارى ( جمع أسرى جمع أسير، وأصله المشدود بالأسر،


الصفحة التالية
Icon