صفحة رقم ١٨٩
البر فإنهم يشبعون، طوبى للرحماء فإنهم يرحمون، طوبى للنقية قلوبهم فإنهم يعاينون الله، طوبى لفاعلي السلامة فإنهم بني الله يُدعون، طوبى للمطرودين من أجل البر فإن لهم ملكوت السماوات طوبى لكم إذا طردوكم وعَيَّروكم وقالوا فيكم كل كلمة شر من أجلي ؛ افرحوا وتهللوا، فإن أجركم عظيم في السماوات، لأن هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم.
وقال لوقا : هكذا كان آباؤكم يصنعون بالأنبياء الويل لكم أيها الأغنياء لأنكم قد أخذتم عزاكم، الويل لكم أيها الشباعى الآن فإنكم ستجوعون ؛ الويل لكم أيها الضاحكون الآن فإنكم ستبكون وتحزنون، الويل لكم إذا قال الناس فيكم قولاً حسناً لأن آباءهم كذلك فعلوا بالأنبياء الكذبة - يعني المتنبئين - وفيه من الألفاظ التي لا يجوز إطلاقها في شرعنا حمل الله والأب، وقوله : بني الله، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آل عمران تأويل مثل هذا على تقدير صحته عنه وأنه يرد إلى المحكم على أوضح وجه مثل الألفاظ التي وردت في شرعنا ورددناها إلى المحكم، وضل بها من حملها على ظاهرها ممن يدعي الإسلام والله الموفق.
ولما كان هذا حالهم مع الرسل مع أنسهم بهم ومعرفتهم بأحوالهم واتصالهم بالله وكمالهم علم أنهم في منابذتهم لهم عبيد الهوى وأسرى الشهوات، فتسبب عن ذلك الإنكار عليهم فقال :( أفكلما ) أي أفعلتم ما فعلتم من نقض العهود مع مواترة الرسل ووجود الكتاب فكلما ) جاءكم رسول ) أي من عند الله ربكم ) بما لا تهوى أنفسكم ( من الهوى وهو نزوع النفس لسفل شهوتها في مقابلة معتلى الروح لمنبعث انبساطه، كأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب، والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار، وكأن العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علواً وسفلاً - قاله الحرالي : وقد دل على أن المراد الباطل بالتعبير بالهوى والنفس ) استكبرتم ) أي طلبتم الكبر وأوجدتموه بما لكم من الرئاسة على قومكم عن قبول الحق ميلاً إلى سنة إبليس مع إعطائكم العهد قبل ذلك علىالدوام على اتباعه ) ففريقاً ) أي فتسبب عن طلبكم الكبر أنكم فريقاً ) كذبتم ( كعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ) وفريقاً تقتلون ) أي قتلتم ولم تندموا على قتلهم بل عزمتم على مثل ذلك الفعل كلما جاءكم أحد منهم بما يخالف الهوى وهم لم يبعثوا إلا لصرف الأنفس عن الهوى لأن دعوة الرسول إلى الأعلى الذي هو ضد هوى النفس ؛ والظاهر أنه سبحانه أشار بهذه الصيغة المستقبلة إلى قتلهم النبي ( ﷺ ) بالسم في خيبر كما أشار إليه الحديث الماضي آنفاً.


الصفحة التالية
Icon