صفحة رقم ١٩٥
في زماننا عن عداوتهم لجبريل عليه السلام فلم يسمح بالتصريح وقال : ما يعطى ذلك.
وقد روى هذا الحديث أيضاً إسحاق بن راهويه في مسنده عن الشعبي عن عمر رضي الله عنه، قال شيخنا البوصيري : وهو مرسل صحيح الإسناد وفيه : أنه قال لهم :( وكيف منزلتهما من ربهما ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا ).
ولما بين سبحانه بهذا أنهم أعتى الناس وأشدهم تدليساً وبهتاً بل كذباً وفسقاً كانوا أحق الناس بوصف الكفر فسبب عن ذلك قوله :( فلعنة الله ) أي الذي له الأمر كله ) على الكافرين ( فأظهر موضع الإضمار تعليقاً للحكم بالوصف ليعم وإشعاراً بصلاح من شاء الله منهم.
ولما استحقوا بهذا وجوه المذامّ كلها وصل به قوله ) بئسما ( فأتى بالكلمة الجامعة للمذام المقابلة لنعم الجامعة لوجوه المدائح كلها أي بئس شيء ) اشتروا به أنفسهم ) أي حظوظهم، فقدموها وآقروها فكان ذلك عين فأخبرها عكس ما فعل المؤمنون من بيعهم لأنفسهم وخروجهم عنها بتعبدهم لله بإيثار ما يرضيه ع لى هوى أنفسهم، فكان ذلك عين تحصيلها وتقديمها، ثم فسر الضمير العائد على المبهم المأخوذ في إحراز النفس فقال :( أن يكفروا ) أي يستروا على التجدد والاستمرار علمهم ) بما أنزل الله ( الذي لا كفؤ له، أي اشتروا أنفسهم فأبقوها لهم على زعمهم بالكفر ولم يجعلوها تابعة ؛ ويجوز أن يكون ) اشتروا ( بمعنى باعوا، لأنهم بذلوها للشيطان بالكفر كما بذل المؤمنون أنفسهم لله بالإيمان.
ثم علل كفرهم بقوله :( بغياً ) أي حسداً وظلماً لأن تكون النبوة في بني إسماعيل عليه السلام.
وقال الحرالي : هو اشتداد في طلب شيء ما - انتهى.
وأصله مطلق الطلب والإرادة، كأن الإنسان لما كان مجبولاً علىا لنقصان ومطبوعاً على الشر والعصيان إلا من عصم الله وأعان كان مذموماً على مطلق الإرادة، لأن من حقه أن لا تكون له خيرة ولا إرادة بل تكون إرادته تابعة لإرادة مولاه كما هو شأن العبد - والله الموفق.
ثم علل بغيهم بقوله :( أن ينزل الله ( ذو الجلال والإكرام ) من فضله ( وفي صيغة ) ينزل ( إشعار بتمادي ما يغيظهم فيما يستقبل، وبشرى للنبي ( ﷺ ) والمؤمنين


الصفحة التالية
Icon