صفحة رقم ١٩٩
عن أن العناد لهم طبع لازم فكانوا كأنهم عند إعطاء العهد عاصون قال مترجماً عن أغلب أحوال أكثرهم في مجموع أزمانهم وهو ما عبر عنه في الآية السالفة بقوله :
٧٧ ( ) ثم توليتم ( ) ٧
[ البقرة : ٨٣ ] مؤذناً بالغضب عليهم بالإعراض عن خطابهم بعد إفحامهم بالمواجهة في تقريعهم حيث ناقضوا ما قال لهم من السماع النافع لهم فأخبروا أنهم جعلوه ضاراً ) قالوا سمعنا ) أي بآذاننا ) وعصينا ) أي وعملنا بضد ما سمعنا ؛ وساقه لغرابته مساق جواب سائل كأنه قال : رفع الطور فوقهم أمر هائل جداً مقتض للمبادرة إلى إعطاء العهد ظاهراً وباطناً والثبات عليه فما فعلوا ؟ فقيل : بادروا إلى خلاف ذلك ) واشربوا ( فأعظم الأمر بإسناد الفعل إليهم ثم إلى قلوبهم، وهو من الإشراب وهو مداخلة نافذة سائغة كالشراب وهو الماء المداخل كلية الجسم للطافته ونفوذه - قاله الحرالي : وقال الكشاف : و خلط لون بلون ) في قلوبهم العجل ) أي حبه وحذفه للإيذان بشدة التمكن بحيث صار المضاف هو المضاف إليه ) بكفرهم ( وفيه إشارة إلى أن من أعرض عن امتثال الأمر استحق الإبعاد عن مقام الأنس.
قال الإمام أبو الحسن الحرالي في المفتاح الباب الثامن في وجوه بيان الإقبال والإعراض في القرآن : اعلم أن كل مربوب يخاطب بحسب ما في وسعه لقنه وينفى عنه ما ليس في وسعه لقنه فلكل سن من أسنان القلوب خطاب إقبال بحسب لقنه، وربما كان له إباء عن بعض ذلك فيقع عنه الإعراض بحسب بادي ذلك الإباء، وربما تلافته النعمة فعاد الإقبال إليه بوجه ما دون صفاء الإقبال الأول، وربما تناسقت الإقبالات مترتبة فيعلو البيان والإفهام بحسب رتبة من توجه إليه الإقبال، ويشتد الإدبار بحسب بادي الإدبار، وربما تراجع لفف البيان فيها بعضها على بعض، فخطاب الإقبال على النبي ( ﷺ ) أعظم إفهام في القرآن
٧٧ ( ) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( ) ٧
[ الفرقان : ٤٥ ] الآية
٧٧ ( ) وهو الذي جعل لكم الليل لباساً ( ) ٧
[ الفرقان : ٤٧ ] الآية : تفاوت الخطابين بحسب تفاوت المخاطبين،
٧٧ ( ) أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ( ) ٧
[ الأنبياء : ٣٠ ] أعرض عنهما الخطاب ونفى عنهم ما ليس في حالهم رؤيته.
) خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العدل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم ( خاطبهم وأمرهم، فلما عصوا أعرض وجه الخطاب عنهم ثم تلافاهم بخطاب لسان نبي الرحمة لهم، واستمر إعراضه هو تعالى عنهم في تمادي الخطاب
٧٧ ( ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( ) ٧
[ الطلاق : ١ ] تنزل الخطاب في الرتبتين ليبين