صفحة رقم ٢١١
من هذه الأمة سورة الفلق والناس والمعوذتان حرزاً وإبطالاً وتلقفاً لما يأفك سحر الساحرات عوضاً دائماً باقياً لهذه الأمة من عصا موسى، فهما عصا هذه الأمة التي تلقف ما يأفك سحر الساحرات عوضاً دائماً بما فيهما من التعويذ الجامع للعوذة من شر الفلق الذي من لمحة منه كان السحر مفرقاً، فهما عوذتان من وراء ما وراء السحر ونحوه، وذلك من مثوبة الدفع مع ما أوتوا من مثوبة النفع، ويكاد أن لا يقف من جاءه هذه الآية لهذه الأمة عند غاية من منال الخيرات ووجوه الكرامات - انتهى.
ولما كان من الحق كما قال الحرالي إجراء الأمور على حكم ما أثبتها الحق لأنها بذلك حق هو مثال للحق المبين وصرفها غلى من لم يثبتها الحق في حيزه إفك وقلب عن وجهه فهو خيال باطل هو في باب الرأي بمنزلة السحر في الحس فهو خيال لما صحة النسبة فيه مثال اتبع الآيات الذامة للسحر الحقيقي التنبيه على السحر المجازي الذي حيلوا به الخير وقصدوا به الشر ليكون النهي عنه نهياً عن الأول بطريق الأولى فقال ملتفتاً عن ذكرهم إلى خطاب المؤمنين الذي هو أخص من ) يا بني إسرائيل ( الأخص من
٧٧ ( ) يا أيها الناس اعبدوا ربكم ( ) ٧
[ البقرة : ٢١ ] ) يا أيها الذين آمنوا (، أي أقروا بالإيمان صدقوا إقراركم به بأن ) لا تقولوا ( للنبي ( ﷺ ) :( راعنا ( التي تقصدون بها الرعاية والمراقبة لمقصد الخير وخفض الجانب، فاغتنمها اليهود لموافقة كلمة سيئة عندهم فصاروا يلوون بها ألسنتهم ويقصدون بها ارعونة وهي إفراط الجهالة فنهاهم عن موافقتهم في القول منعاً للصحيح الموافق في الصورة لشبهه من القبيح وعوضهم منها ما لا يتطرق إليه فساد فقال :( وقولوا انظرنا ( فأبقى المعنى وصرف اللفظ.
قال الحرالي : ففيه إلزام تصحيح الصور لتطابق تصحيح المقاصد وليقع الفرق بين الصورتين كما وقع الفرق بين المعنيين فهي آية فرقان خاصة بالعرب.
قال الأصفهاني : وهذا النهي اختص بهذا الوقت، قال الواحدي لإجماع الأمة على جواز المخاطبة بهذا اللفظ الآن وقال :( واسمعوا ) أي قولوا ما أمرتكم به وامتثلوا جميع أوامري ولا تكونوا كاليهود في حملهم السماع علىحقيقته وقولهم ) سمعنا وعصينا ( وعطف ) وللكافرين ( على غير معطوف عليه مذكور مرشد إلى أن التقدير : فإن السماع أي القبول إيمان وللسامعين نعيم كريم والإعراض كفر وللكافرين من اليهود وغيرهم ) عذاب أليم (.
ولما أرشد ختم الآية إلى العلة الحاملة على الامتثال علل بعلة أخرى فقال :( ما يود الذين كفروا ( مطلقاً ) من أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ولا ( من المشركين بأي نوع كان من أنواع الشرك بغضاً فيكم حسداً لكم ) أن ينزل عليكم ( وأكد الاستغراق بقوله :( من خير من ربكم ) أي المحسن إليكم، فكأنه قيل : للسماع علتان حاملتان