صفحة رقم ٢٢٤
فلما استقر في النفس كان كأنه قيل : هل وقع هذا لأحد غيرهم ؟ فقيل : نعم، وقع أعجب منه وهو أنه قال الجهلة ( كعبدة الأصنام والمعطلة ) ) مثل قولهم ( فعاندوا وضللوا المؤمنين أهل العلم بالكتاب الخاتم الذي لا كتاب مثله وضللوا أهل كل دين.
ولما وقع الخلاف بين هذه الفرق تسبب عنه حكم الملك الذي لم يخلقهم سُدى بينهم فقال :( فالله ( ( الملك الأعظم ) ) يحكم بينهم ( والحكم قصر المصرَف على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما تشوّف إليه - قاله الحرالي.
وحقق أمر البعث بقوله :( يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( والآختلاف افتعال من الخلاف وهو تقابل بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه - قاله الحرالي.
ولما اشتركت جميع هذه الفرق في الظلم وزاد الجهلة منع حزب الله من عمارة المسجد الحرام بما يرضيه من القول والفعل فازدادوا بذلك ظلماً آخر وكان من منع مسجداً واحداً لكونه مسجداً مانعاً لجميع المساجد قال :( ومن أظلم ) أي منهم، وإنما أبدل الضمير بقوله :( ممن منع مساجد الله ) أي ( الجامع لصفات الكمال التي هي جنان الدنيا لكونها أسباب الجنة التي قصروها عليهم، ثم أبدل من ذلك تفخيماً له تذكرة مرة بعد أخرى ) قوله :( أن يذكر فيها اسمه ( وعطف بقوله :( وسعى في خرابها ) أي بتعطيلها عن ذكر الله لبعد وجوه ظلمهم زيادة في تبكيتهم.
والمنع الكف عما يترامى إليه.
والمسجد مفعل لموضع السجود وهو أخفض محط القائم.
والسعي الإسراع في الأمر حساً أو معنى.
والخراب ذهاب العمارة، والعمارة إحياء المكان وإشغاله بما وضع له - قاله الحرالي.
ثم ذكر سبحانه ما رتبه على فعلهم من الخوف في المسجد الذي أخافوا فيه أولياءه وفي جميع جنسه والخزي في الدنيا والآخرة ضد ما رتبه لمن أحسن فقال :( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) ما كان لهم ) أي ما صح وما انبغى ) أن يدخلوها ) أي المساجد الموصوفة ) إلا خائفين ( وما كان أمنهم فيها إلا بسبب كثرة المساعد على ما ارتكبوه من الظلم والتمالؤ على الباطل وسنزيل ذلك، ثم عمم الحكم بما يندرج فيه هذا الخوف فقال :( لهم في الدنيا خزي ) أي عظيم بذلك وبغيره، ثم زاده بأن عطف عليه قوله :( ولهم في الآخرة ( التي هم لها منكرون بالاعتقاد أو الأفعال ) عذاب عظيم ( فدل بوصف العذاب على وصف الخزي الذي اشار إليه بالتنوين.
قال الحرالي : وفيه إنباء بإحباط ما يصرف عنهم وجهاً من وجوه العذاب، فنالهم من العذاب العظيم ما نال الكافرين حتى كان ما كان لهم من ملة وكتاب لم يكن، وذلك أسوأ الخسار ؛ قال : ومن