صفحة رقم ٢٣١
ثم قال : وكلمة الشرط ما يطلب جملتين يلزم من وجود مضمون أولاهما فرضاً حصول مضمون الثانية، فالمضمون الأول مفروض ملزوم، والثاني لازمه ؛ ثم قال : و ( إن ) موضوعة لشرط مفروض وجوده في المستقبل مع عدم قطع المتكلم لا بوقوعه ولا بعدم وقوعه، وذلك لعدم القطع في الجزاء لا بالوجود ولا بالعدم، سواء شك في وقوعه كما في حقنا، أو لم يشك كان الواقعة في كلامه تعالى ؛ وقال : ولا يكون الشرط في اسم إلا بتضمن معناها ؛ ثم قال : فنقول : لما كان ( إذا ) للأمر المقطوع بوجوده في اعتقاد المتكلم في المستقبل لم يكن لمفروض وجوده، لتنافي القطع والفرض في الظاهر، فلم يكن فيه معنى ( إن ) الشرطية، لأن الشرط كما بينا هو المفروض وجوده، لكنه لما كان ينكشف لنا الحال كثيراً في الأمور التي نتوقعها قاطعين بوقوعها عن خلاف ما نتوقعه جوّزوا تضمين ( إذا ) معنى ( إن ) كما في ( متى ) وسائر الأسماء الجوازم، فيقول القائل : إذا جئتني فأنت مكرم - شاكاً في مجيء المخاطب غير مرجح وجوده على عدمه بمعنى متى جئتني سواء ؛ ثم قال : ولما كثر دخول معنى الشرط في ( إذا ) وخروجه عن أصله من الوقت المعين جاز استعماله وإن لم يكن فيه معنى ( إن ) الشرطية، وذلك في الأمور القطعية استعمال ( إذا ) المتضمنة لمعنى ( إن )، وذلك لمجيء جملتين بعده على طرز الشرط والجزاء وإن لم يكونا شرطاً وجزاء، ثم قال في الكلام على الفاء في نواصب الفعل، وقد تضمر ( أن ) بعد الفاء والواو الواقعتين بعد الشرط قبل الجزاء، نحو إن تأتيني فتكرمني - أو لو.
تكرمني - آتك، أو بعد الشرط والجزاء، نحو إن تأتني آتك فأكرمك - أو : وأكرمك - وذلك لمشابهة الشرط في الأول والجزاء في الثاني المنفي، إذ الجزاء مشروط وجوده بوجود الشرط، ووجود الشرط مفروض، فكلاهما غير موصوفين بالوجود حقيقة، وعليه حمل قوله تعالى :( إن يشأ يسكن الريح فيظللن ( - إلى قوله :
٧٧ ( ) ويعلم الذين يجادلون ( ) ٧
[ الشورى : ٣٥ ] على قراءة النصب ؛ ثم قال : وإنما صرفوا ما بعد فاء السببية من الرفع إلى النصب لأنهم قصدوا التنصيص على كونها سببية والمضارع المرتفع بلا قرينة مخلصة للحال والاستقبال ظاهر في معنى الحال، كما تقدم في باب المضارع، فلو أبقوه مرفوعاً لسبق إلى الذهن أن الفاء لعطف جملة حالية الفعل على الجملة التي قبل الفاء، يعني فكان يلزم أن يكون الكون قديماً كالقول، فصرفه إلى النصب منبه في الظاهر على أنه ليس معطوفاً، إذ المضارع المنصوب بأن مفرد، وقبل الفاء المذكورة جملة، ويتخلص المضارع للاستقبال اللائق بالجزائية كما ذكرنا في المنصوب بعد إذن، فكان فيه شيئان : رفع جانب كون الفاء للعطف.
وتقوية كونه للجزاء ؛ فيكون إذن ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوباً