صفحة رقم ٢٣٦
لمعانيه ولا عمل بما فيه ؛ هذا إذا جعلناه حالاً، وإن جعلناه خبراً وقوله :( أولئك ) أي العظيمو الرتبة خاصة ) يؤمنون به ( خبراً ثانياً فالمعنى أن من لم يؤمن بالكتاب حق الإيمان من غير تحريف له، لا إخفاء لشيء فيه لما انتفى عنهم المقصود بالذات وهو الانتفاع بالكتاب المؤتى انتفى عنهم أصل الإيتاء لأنه تجرد عن الفائدة ؛ والضمير في ) به ( يصح أن يكون للهدى.
قال الحرالي : وحقية الأمر هي وفاؤه إلى غايته، والإحاطة به إلى جماع حدوده حتى لا يسقط منه شيء ولا يقصر فيه غاية إشعاراً باشتمال الكتاب على أمر محمد ( ﷺ ).
ولما وصف المؤمنين به ولم يبين ما لهم أتبعه بالكافرين فقال :( ومن يكفر به ) أي بالكتاب، ثم حصر الخسر فيهم بقوله :( فأولئك ) أي البعداء البغضاء ) هم ( خاصة ) الخاسرون ( فافهم أن المؤمنين به هم الرابحون ؛ ومن الوصف بالخسار يعلم أنهم كانوا على حق وشيء يمكن الربح فيه بتكملة الإيمان بكتابهم بالإيمان بالكتاب الخاتم فضيعوه فخسروا، فإنه لا يخسر إلا من له أصل مال متهيئ للنماء والربح - والله أعلم.
ولما طال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم في بيان عوارهم وهتك أستارهم وختم ذلك بالترهيب بخسارهم لتضييع اديانهم بأعمالهم وأحوالهم وأقوالهم أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم والتحذير من حلول النقم يوم يجمع الأمم ويدوم فيه الندم لمن زلت به القدم، ليعلم أن ذلك فذلكة القصة والمقصود بالذات في الحث على انتهاز الفرصة في التفصّي عن حرمة النقص إلى لذة الربح بدوام الشكر.
قال الحرالي : فلبعده بالتقدم كرره تعالى إظهاراً لمقصد التئام آخر الخطاب بأوله وليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلاً لما يمكن أن يرد من نحوه في سائر القرآن حتى كأن الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمة يجب أن يلحظ القلب بداية تلك الغاية فيتلوها ليكون في تلاوته جامعاً لطرفي البناء وفي تفهمه جامعاً لمعاني طرفي المعنى ؛ انتهى - فقال تعالى :( يا بني إسرائيل ) أي ولد الأنبياء الأصفياء ووالد الأنبياء السعداء ) اذكروا نعمتي ) أي الشريفة بالنسبة إليّ ) التي أنعمت عليكم ( بها في الدنيا ) وأني فضلتكم ( واقتصر هنا على نعمة التفضيل ولم يذكر الوفاء الذي هو فضيلة النفس الباطنة إشارة إلى جمودهم باقتصارهم على النظر في الظاهر على ) العالمين ( في تلك الأزمان كلها بإتمام نعمة الدنيا بشرع الدين المقتضى للنعمة في الأخرى، فإنكم إذا ذكرتم النعمة شكرتموها فقيدتموها واستوجبتم من الله الزيادة في الدنيا والرضى في العقبى ) واتقوا يوماً لا تجزي ) أي تقضى، أي يصنع فيه ) نفس عن نفس شيئاً ) أي من الجزاء.