صفحة رقم ٣٢
مفصل القرآن أبقيت في افتتاحه لتكون علما على نقله للتفصيل من ذلك الكتاب، ولأنها أتم وأوجز فغيء الدلالة على الجمع من المفصل منها ودلالتها جامعة للوجود كله من أبطن قيمه إلى أظهره وأظهر مقامه وما بينهما من الوصلة والواصلة وهي جامعة الدلالة على الكون المرئي للعين بالعين والوحي المسموع، ولأجل ما اقتضته من الجمع لم تنزل يفي كتاب متقدم لأن كتا بكل وقت مطابق بحال الكون فيه والكون كان بعد لم يكمل فكانت كتبه وصحفه بحسبه ن ولما كمل الكون في وقت سيدنا محمد ( ﷺ ) كان كتابه كاملا جامعا فوجب ظهور هذه الجوامع فيه ليطابق الختم البدئ، لأنهما طرفا كمال وما بينهما تدرج إليه، وقد كان وعد بإنزالهما في بعض تلك الكتب فكان نزولها نجازا لذلك. أنتهى.
وأما منسبة ما بعد ذلك للفاتحة فهو أنه لما أخبلا سبحانه وتعالى أن عباده المخلصين سألوا في الفاتحة هداية الصراط المستقيم الذي همو غير طرلايق الهالكين أرشدهك في أول التي تليها إلى أن الهدى المؤول إنما هو في هذا الكتاب، وبين لهم صفات الفريقين الممنوحين بالهداية حتى على التخلق بها والممنوعين منها زجرا عن قربها. فكاتن ذلك أعظم المناسبات لعقيب الفاتحة بالبقرة، لأنها سيقت لنفي الريب عن هذا الكتاب ولأنه هدى للمتقين، ولوصف المتقين وما يجازون به بما في الآيات الثلاث ولوصف الكافرين الذين لا يؤمنون لما وقع من الختم على جواسهم والحتم لعقابهم ليعلم أن ما اتصف به المتقون هو الصراط المستقيم فيلزم وما اتصف به من عداهم هو طريق الهالكين فيترك، وفي الوصف بالتقوى بعد ذكر المغضوب عليهم والضالين إشارة إلى أن المقام مقام الخوف.
وإن شئت قلت : مقصود هذه السورة وصف الكتاب فقط وما عدا ذلك فتوابع ولوازم ولن يثبت أنه هدى إلا بإثبات أ، ه حق معنى ونظما، ولما كان المعنى أهم قدم الاستدلال عليه فأخبر من تماديهم على الكفر بما يكون تكذيبهم به تصديقا له، واتبع ذلك بذكر المنافقين إعلاما بأن المنفي الإيمان بالقلب وأنه لا عبرة باللسان إذا تجرد عنه، وساق ذلك على وجه يعلمون به أنه الحق بما هتك من سرائرهم وكشف من ضمائرهم، فلما تم ذلك وكان المقصود منه الدعاء إلى الله انتهزت تلك الفلبرصة بقوله تعالةى ) يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) [ البقرة : ٢١ ] لما أسس لها من الترغيب بالترهيب، ثم أقيم الدليل على حقية نظمه بتقصيرهم عن مدى سهمه، فرجع حاصل ذلك إلى إثباته بعجزهم عن معارضته في معناه بإيجاد من أخبر بنفيه وفي نظمه بالإتيان بمثله، فلما ثبت ذلك ثبت أنه من عند الله فثبت تأهله لتعليم الشرائع فجعلها ضمن مجادلة أهل الكتاب بما