صفحة رقم ٣٨٤
بصيغة ما في أول السورة من ذكر المنافقين ليتذكر السامع تلك القصص ويستحضرها بتلك الأحوال وحسن ذلك طول الفصل وبعد العهد فقال :( ومن الناس من ) أي شخص أو الذي ) يعجبك ) أي يروقك ويأخذ بمجامع قلبك أيها المخاطب ) قوله ( كما ذكرنا أول السورة أنه يخادع، ويعجب من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشيء خارجاً عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنعه - قاله الحرالي.
وقال الأصبهاني : حالة تغشى الإنسان عند إدراك كمال مجهول السبب، وعن الراغب أنه قال : وليس هو شيئاً له في ذاته حالة بل هو بحسب الإضافات إلى من يعرف السبب ومن لا يعرفه، وحقيقة أعجبني كذا : ظهر لي ظهوراً لم أعرف سببه.
ولما كان ذكر هذا بعد ذكر الحشر ربما أوهم أن يكون القول أو الإعجاب واقعاً في تلك الحالة قيده بقوله :( في ) أي الكائن في ) الحياة الدنيا ( لا يزداد في طول مدت فيها إلا تحسيناً لقوله وتقبيحاً لما يخفى من فعله و أما في الآخرة فكلامه غير حسن ولا معجب ) ويشهد الله ( المستجمع لصفات الكمال ) على ما في قلبه ( أنه مطابق لما أظهره بلسانه ) وهو ) أي والحال أنه ) ألدّ الخصام ) أي يتمادى في الخصام بالباطل لا ينقطع جداله كل ذلك وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شيء من خصامه وجهاً يصرفه عما أراد به من القباحة إلى الملاحة، واللدد ذدة الخصومة، والخصام القول الذي يسمع المصيح ويولج في صماخه ما يكفه عن مزعمه ودعواه - قاله الحرالي.
وقال الأصبهاني : هو التعمق في البحث عن الشيء والمضايقة فيه ويجوز أن يجعل الخصام ألد على المبالغة - انتهى.
ولما ذكر أنه ألد شرع يذكر وجه لدده فقال عاطفاً على ما تقديره : فإذا واجهك اجتهد في إظهار أنه مصلح أو تكون جملة حالية ) وإذا تولى ) أي أعرض بقلبه أو قاله عمن خدعه بكلامه، وكنى بالتعبير بالسعي عن الإسراع في إيقاع الفتنة بغاية الجهد فقال :( سعى ( ونبه على كثرة فساده بقوله :( في الأرض ) أي كلها بفعله وقوله عند من يوافقه ) ليفسد ) أي ليوقع الفساد وهو اسم لجميع المعاصي ) فيها ) أي في الأرض في ذات البين لأجل الإهلاك والناس أسرع شيء إليه فيصير له مشاركون في أفعال الفساد، فإذا فعل منه ما يريد كان معروفاً عندهم فكان له عليه أعوان وبين أنه يصل بإفساده إلى الغاية بقوله مسمياً المحروث حرثاً مبالغة :( ويهلك الحرث ) أي المحروث الذي يعيش به الحيوان، قال الحرالي سماه حرثاً لأنه الذي نسبه إلى الخلق، ولم يسمه زرعاً لأن ذلك منسوب إلى الحق - انتهى.
ولأنه إذا هلك السبب هلك المسبب من غير عكس ) والنسل ) أي المنسول الذي به بقاء نوع الحيوان.
قال الحرالي : وهو استخراج