صفحة رقم ٤٠٢
إلزام بتنزل العلي الأدنى رتبة لما أظهر هذا الخطاب من تنزل الحق في مخاطبة الخلق إلى حد مجاوزة المترفق في الخطاب - انتهى.
ولما رغبهم سبحانه وتعالى في الجهاد بما رجالهم فيه من الخير رهبهم من القعود عنه بما يخشى فيه من الشر.
قال الحرالي : فأشعر أن المتقاعد له في تقاعده آفات وشر في الدنيا والآخرة ليس أن لا ينال خير الجهاد فقط بل وينال شر التقاعد والتخلف - انتهى.
فقال تعالى :( وعسى أن تحبوا شيئاً ) أي كالقعود فتقبلوا عليه لظنكم أنه خير لكم ) وهو ) أي والحال أنه ) شر لكم ( لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر وليس أحد منكم إلا قد جرب مثل ذلك مراراً في أمور دنياه، فإذا صح ذلك في فرد صار كل شيء كذلك في إمكان خيريته وشريته فوجب ترك الهوى والرجوع إلى العالم المنزه عن الغرض ولذلك قال عاطفاً على ما تقديره : فالله قد حجب عنكم سر التقدير ) والله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) يعلم ) أي له علم كل شيء وقد أخبركم في صدر هذا الأمر أنه رؤوف بالعباد فهو لا يأمركم إلا بخير.
وقال الحرالي : شهادة بحق العلم يرجع إليها عند الأغبياء في تنزل الخطاب - انتهى.
والآية من الاحتباك ذكر الخير أولاً دال على حذفه ثانياً وذكر الشر ثانياً دال على حذفه مثله أولاً.
ولما أثبت سبحانه وتعالى شأنه العلم لنفسه نفاه عنهم فقال :( وأنتم لا تعلمون ] أي ليس لكم من أنفسكم علم وإنما عرض لكم ذلك من قبل ما علمكم فثقوا به وبادروا إلى كل ما يأمركم به وإن شق.
وقال الحرالي : فنفى العلم عنهم لكلمة ( لا ) أي التي هي للاستقبال حتى تفيد دوام الاستصحاب
٧٧ ( ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ( ) ٧
[ الإسراء : ٨٥ ] قال من حيث رتبة هذا الصنف من الناس من الأعراب وغيرهم، وأما المؤمنون أي الراسخون فقد علمهم الله من علمه ما علموا أن القتال خير لهم وأن التخلف شر لهم - انتهى.
حتى أن علمهم ذلك أفاض على ألسنتهم ما يفيض الدموع وينير القلوب، ( حتى شاورهم النبي ( ﷺ ) في التوجه إلى غزوة بدر ) فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى :
٧٧ ( ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ( ) ٧
[ المائدة : ٢٤ ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ؛ فقال له رسول الله ( ﷺ ) خيراً ودعا له، ثم قال


الصفحة التالية
Icon