صفحة رقم ٥٥٥
ولما كان الإنسان محل الزلل والنقصان أشاروا إلى ذلك تواضعاً منهم كما هو الأولى بهم لمقام الألوهية فقالوا مع طاعتهم معترفين بالمعاد :( غفرانك ) أي اغفر لنا أو نسألك غفرانك الذي يليق إضافته إليك لما له من الكمال والشرف والجلال ما قصرنا فيه ولا تؤاخذنا به فإنك إن فعلت ذلك هلكنا، والحاصل أنهم طلبوا أن يعاملهم بما هو أهله لا بما هم أهله فجرى بما جراهم عليه في قوله :( فيغفر لمن يشاء (.
قال الحرالي : فهذا القول من الرسول ( ﷺ ) كشف عيان، ومن المؤمنين نشء إيمان، ومن القائلين للسمع والطاعة قول إذعان، فهو شامل للجميع كل على رتبته - انتهى.
وزادوا تملقاً بقولهم :( ربنا ( ذاكرين وصف الإحسان في مقام طلب الغفران.
قال الحرالي : وهو خطاب قرب من حيث لم يظهر فيه أداة نداء، ولم يجر الله سبحانه وتعالى على ألسنة المؤمنين في كتابه العزيز نداء بُعد قط ؛ والغفران فعلان صيغة مبالغة تعطي الملء ليكون غفراً للظاهر والباطن وهو مصدر محيط المعنى نازل منزلة الاستغفار الجامع لما أحاط به الظاهر والباطن مما أودعته الأنفس التي هي مظهر حكمة الله سبحانه وتعالى التي وقع فيها مجموع الغفران والعذاب ) فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( ففي ضمنه بشرى بتعيين القائلين المذعنين ومن تبعهم بالقول لحال المغفرة، لأن هذه الخواتيم مقبولة من العبد بمنزلة الفاتحة لاجتماعهما في كونهما من الكنز الذي تحت العرش، وعلى ما ورد من قوله :( حمدني عبدي - إلى أن قال : ولعبدي ما سأل ) وعلى ما ورد في دعاء هذا الختم في قوله :( قد فعلت قد فعلت ) وبما ابتدأ تعالى به آية هذا الحساب وختمها به من سلب الأمر أولاً وسلب القدرة عما سواه آخراً، وكان في الابتداء والختم إقامة عذر القائلين، فوجب لهم تحقق الغفران كما كان لأبيهم آدم حيث تلقى الكلمات من ربه - انتهى.


الصفحة التالية
Icon