صفحة رقم ٥٦
وما بعده عقب إثبات قدرة الداعي المشيرة إلى الترهيب من سطواته ولقد بدع هذا الاستدلال على التفرد بالاستحقاق عقب أحوال من قرب أنهم في غاية الجمود بأمور مشاهدة يصل إليها كل عاقل بأول وهلة من دحو الأرض وما بعده مما به قوام بقائهم من السكن والرزق في سياق منبّه على النعمة محذر من سلبها دال على الإله بعد الدلالة بالأنفس من حيث إن كل أحد يعرف ضرورة أنه وُجد بعد أن لم يكن، فلا بد له من موجد غير الناس، لما يشاهد من أن حال الكل كحاله بالدلالة بالآفاق من حيث إنها متغيرة، فهي مفتقرة إلى مغير هو الذي أحدثها ليس بمتغير، لأنه ليس بجسم ولا جسماني في سياق مذكر بالنعم الجسام الموجبة لمحبة المنعم وترك المنازعة وحصول الانقياد فقال :( الذي جعل ( قال الحرالي : من الجعل وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير ) لكم الأرض ) أي المحل الجامع لنبات كل نابت ظاهر أو باطن، فالظاهر كالموالد وكل ما الماء أصله، والباطن كالأعمال والأخلاق وكل ما أصله ما الماء آيته كالهدى والعلم ونحو ذلك ؛ ولتحقق دلالة اسمها على هذا المعنى جاء وصفها بذلك من لفظ اسمها فقيل : أرض أريضة، للكريمة ا لمنبتة، وأصل معناها ما سفل في مقابلة معنى السماء الذي هو ما علا على سفل الأرض كأنها لوح قلمه الذي يظهر فيها كتابه - انتهى.
) فراشاً ( وهي بساط سقفه السماء وهي مستقر الحيوان من الأحياء والأموات، وأصله كما قال الحرالي : بساط يضطجع عليه للراحة ونحو ذلك، ) والسماء بناء ) أي خيمة تحيط بصلاح موضع السكن وهو لعمري بناء جليل القدر، محكم الأمر، بهي المنظر، عظيم المَخبَر.
ورتبت هذه النعم الدالة على الخالق الداعية إلى شكره أحكم ترتيب، قدم الإنسان لأنه أعرف بنفسه والنعمة عليه أدعى إلى الشكر، وثنى بمن قبله لأنه أعرف بنوعه، وثلث بالأرض لأنها مسكنه الذي لا بد له منه، وربع بالسماء لأنها سقفه، وخمس بالماء لأنه كالأثر والمنفعة الخارجة منها وما يخرج بسببه من الرزق كالنسل المتولد بينهما فقال :( وأنزل ( قال الحرالي : من الإنزال وهو الإهواء بالأمر من علو إلى سفل - انتهى.
) من السماء ) أي بإثارتها الرياح المثيرة للسحاب الحامل للماء ) ماء ) أي جسماً لطيفاً يبرد غلة العطش، به حياة كل نام.
قال الحرالي : وهو أول ظاهر للعين من أشباح الخلق ) فاخرج ( من الإخراج وهو إظهار من حجاب، وفي سوقه بالفاء تحقيق للتسبيب في الماء - انتهى.


الصفحة التالية
Icon