صفحة رقم ٩٤
قال ربك للملائكة ( ايضاً إشارة إلى اختلاف الحال في الخطاب بوصف الربوبية مع الخُلّص ومع من دونهم وفي الخطاب بأوصاف الذات، وذلك أنه تعالى لما بين أن الضالين في حسن أمثاله هم الخاسرون عجب ممن يكفر به إشارة إلى شدة ظهوره وانتشار نوره في أمثاله وجميع أقواله وأفعاله وأن شهوده في كل اعتبار أوضح من ضياء النهار، لأنه ما ثمَّ إلا ذاته وافعاله وصفاته : وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد متجلياً عليهم باسم الإلهية في أفعاله التي هم لها ناظرون وبها عارفون، فقال :( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ( إلى أن قال :( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ( الآية، وأدرج في ذلك أمر البعث بقوله ) ثم إليه ترجعون ( تنبيهاً على مشاركته لبقية ما في الآية من الظهور، لما قدم من الاستدلال عليه بإخراج الثمرات حين تعرف إليهم بوصف الربوبية الناظر إلى العطف والامتنان والتربية والإحسان في مثل ما هنا من أفعاله الظاهرة وآثاره الباهرة فقال :( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ( إلى آخرها ؛ وختم هذه الآية بوصف العلم الشامل لما قام عليه من الدليل ضمن هذا التعجيب إشارة إلى الاستدلال على كمال الأمثال وتحديداً لمن يستمر على الكفران بعد هذا البيان بأنه بمرأى منه ومسمع في كل حال، فلما فرغ من خطابهم بالأمور الظاهرة على قدر فهومهم ومبلغ علومهم رقي الخطاب إلى رتبة نبيه عليه الصلاة والسلام لترقية البيان إلى غيب مقاولته لملائكته فقال :( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل ( الآية فلكل مقام مقال، ولكل مخاطب حد في الفهم وحال.
قال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في المفتاح الباب السابع في غضافة الربوبية ونعت الإلهية في القرآن : اعلم أن الربوبية إقامة المربوب بما خلق له وأريد له، فرب كل شيء مقيمه بحسب ما أبداه وجوده، فرب المؤمن ربه ورباه للإيمان، ورب الكافر ربه ورباه للكفران، ورب محمد ربه ورباه للحمد - ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )، ورب العالمين


الصفحة التالية
Icon