صفحة رقم ١٠
بين الظاهر والباطن، ثم منزل التوراة والإنجيل المختفي فيه موضع ظاهر التوراة بباطن الإنجيل انتهى.
ومناسبة ابتدائها بالتوحيد لما في أثنائها أنه لما خلق عيسى عليه الصلاة والسلام من أنثى فقط وهي أدنى أسباب النماء كان وجوده إشارة إلى أن الزيادة قد انتهت، وأن الخلق أخذ في النقصان، وهذا العالم أشرف على الزوال، فلم يأت بعده من قومه نبي بل كان خاتم أنبياء بنى إسرائيل، وكان هذا النبي الذي أتى بعده من غير قومه خاتم الأنبياء مطلقاً، وكان مبعوثاً مع نفس الساعة، وكان نزوله هو آخر الزمان علماً على الساعة، وصدرت هذه السورة التي نزل كثير منها بسببه بالوحدانية إشارة إلى أن الوارث قد دنا زمان إرثه، وأن يكون ولا شيء معه كما كان، وأن الحين الذي يتمخص فيه تفرد الواحد قد حان، والآن الذي يقول فيه سبحانه له الملك اليوم قد آن ؛ ويوضح ذلك أنه لما كان آدم عليه الصلاه والسلام مخلوقاً من التراب الذي هو أمتن أسباب النماء، وهوغالب على كل ما جاوره، وكانت الأنثى مخلوقة من آدم الذي هو الذكر وهو أقوى سببي التناسل كان ذلك إشارة إلى كثرة الخلائق ونمائهم وازديادهم، فصدر أول سورة ذكر فيها خلقه وابتداء أمره بالكتاب إشارة إلى أن ما يشير إليه ذكره من تكثر الخلائق وانتشار الأمم والطوائف داع إلى إنزال الشرائع وإرسال الرسل بالأحكام والدلائل، فلمعنى أن آدم عليه الصلاة والسلام لما كان منه الابتداء وعيسى عليه الصلاة والسلام لما كان دليلاً على الانتهاء اقتضت الحكمة أن يكون كل منهما مما كان منه، وأن تصدر سورة كل بما صدرت به والله سبحانه وتعالى الموفق.
وقال ابن الزبير ما حاصله : إن اتصالها بسورة البقرة والله سبحانه وتعالى أعلم من جهات : إحداها ما تبين في صدر السورة مما هو إحالة على ما ضمن في سورة البقرة بأسرها، ثانيها الإشارة في صدر السورة أيضاً إلى أن الصراط المستقيم قد تبين شأنه لمن تقدم في كتبهم، فإن هذا الكتاب جاء مصدقاً لما نزل نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه، فهو بيان لحال الكتاب الذي هو هدى للمتقين، ولما بين افتراق الأمم بحسب السابقة إلى أصناف ثلاثة، وذكر من تعنت بني إسرائيل وتوقفهم ما تقدم أخبر سبحانه وتعالى هنا أنه أنزل عليهم التوراة، وأنزل بعدها الإنجيل، وأن كل ذلك هدى لمن وفق، إعلاماً منه سبحانه وتعالى لأمه محمد أن من تقدمهم قد بين لهم
٧٧ ( ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( ) ٧
[ الإسراء : ١٥ ] ؛ والثالثة قصة عيسى عليه الصلاة والسلام وابتداء أمره من غير أب والاعتبار به نظير الاعتبار بآدم عليه الصلاة والسلام ولهذا أشار قوله سبحانه وتعالى
٧٧ ( ) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ( ) ٧
[ آل عمران ٥٩ ] انتهى.


الصفحة التالية
Icon