صفحة رقم ١٠٠
حال كونه ) من الآيات ) أي التي لا إشكال فيها، ويجوز أن يكون خبر اسم الإشارة، ) والذكر الحكيم ( إشارة إلى ذلك لأن الحكمة وضع الشيء في أعدل مواضعه وأتقنها، وأشار بأداة البعد تنبيهاً على علو منزلته ورفيع قدره.
آل عمران :( ٥٩ - ٦٣ ) إن مثل عيسى.....
) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ( ( )
ثم أكد ظلمهم وصور حكمته بمثل هذا الفرقان في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام الكاشف لما في ذلك مما ألبس عليهم فقال :( إن مثل عيسى ) أي في كونه من أنثى فقط ) من عند الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً في إخراجه من غير سبب حكمي عادي ) كمثل آدم ( في أن كلاًّ منهما أبدع من غير أب، بل أمر آدم أعجب فإنه أوجده من غير أب ولا أم، ولذلك فسر مثله بأنه ) خلقه ) أي قدره وصوره جسداً من غير جنس البشر، بل ) من تراب ( فعلمنا أن تفسير مثل عيسى كونه خلقه من جنس البشر من أم فقط بغير أب، فمثل عيسى أقل غرابة من هذه الجهة وإن كان أغرب من حيث نهم لم يعهدوا مثله، فلذلك كان مثل آدم مثلاً له موضحاً لأنه مع كونه أغرب اشهر ( وعبر بالتراب دون الماء والطين والحمأ وغيره كما في غير هذا الموطن، لأن التراب أغلب أجزائه ولأن المقام لإظهار العجب، وإبداع ما أسكنه أنواع الأنوار بالهداية والعلوم الباهرة من التراب الذي هو أكثف الأشياء أغرب كما أن تغليب ظلام الضلال على الشياطين من كونهم من عنصر نير أعجب ) ولما شبه المثل بالمثل علمنا أن مثل عيسى كل ولد نشاهده تولده من أنثى، ومثل آدم كل حيوان نشاهده تولد من تراب، وما شاهده بنو إسرائيل من خلق عيسى عليه الصلاة والسلام الطير من الطين فهذا المثل الذي هو كل ما تولد من أنثى مثل ذلك المثل الذي هو كل ما تولد من تراب في أن كلاًّ منهما لم يكن إلا بتكوين الله سبحانه وتعالى، وإلا لكان كل جماع موجباً للولد وكل تراب موجباً لتولد الحيوان منه، فلما كان أكثر الجماع لا يكون منه ولد علمنا أن الإيجاد بين الذكر والأنثى إنما هو بقدرة الله سبحانه وتعالى وإرادته، ومن إرادته وقدرته كونه من ذكر وأنثى، فلا فرق في ذلك بين أن يريد كونه من أنثى بتسبيب جماع من ذكر يخرق به عادة الجماع فيجعله موجباً للحبل