صفحة رقم ١٠٧
الاهتمام به والتروي له وإمعان النظر فيه لوخامة العاقبة وسوء المنقلب للكاذب فقال :( ثم نبتهل ) أي نتضرع - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما نقله الإمام أبو حيان في نهره.
وقال الحرالي : الابتهال طلب البهل، والبهل أصل معناه التخلي والضراعة في مهم مقصود - انتهى.
) فنجعل لعنت الله ) أي الملك الذي له العظمة كلها فهو يجبر ولا يجار عليه، أي إبعاد وطرده ) على الكاذبين ( وقال ابن الزبير بعد ما تقدم من كلامه : ثم لما أتبعت قصة آدم عليه الصلاة والسلام - يعني في البقرة - بذكر بني إسرائيل لوقوفهم من تلك القصص على ما لم تكن العرب تعرفه، وأنذروا وحذروا ؛ أتبعت قصة عيسى عليه الصلاة والسلام - يعني هنا - بذكر الحواريين وأمر النصارى إلى آية المباهلة - انتهى.
ولما كان العلم الأزلي حاصلاً بأن المجادلين في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام يكفون عن المباهلة بعد المجادلة خوفاً من الاستئصال في العاجلة مع الخزي الدائم في الآجلة، وكان كفهم عن ذلك موجباً للقطع بإبطالهم في دعواهم لكل من يشاهدهم أو يتصل به خبرهم، حسن كل الحسن تعقيب ذلك بقوله :- تنبيهاً على ما فيه من العظمة - ) إن هذا ) أي الذي تقدم ذكره من أمر عيسى عليه السلام وغيره ) لهو ) أي خاصة دون غيره مما يضاده ) القصص الحق ( والقصص - كما قال الحرالي - تتبع الوقائع بالإخبار عنها شيئاً بعد شيء على ترتيبها، في معنى قص الأثر، وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر - انتهى.
ولما بدأ سبحانه وتعالى القصة أول السورة بالإخبار بوحدانيته مستدلاً على ذلك بأنه الحي القيوم صريحاً ختمها بمثل ذلك إشارة وتلويحاً فقال - عاطفاً على ما أنتجه ما تقدم من أن عيسى ( ﷺ ) عبد الله ورسوله معمماً للحكم معرقاً بزيادة الجار في النفي :( وما من إله ) أي معبود بحق، لأن له صفات الكمال، فهو بحيث يضر وينفع ) إلا الله ) أي المحيط بصفات الكمال، لأنه الحي القيوم - كما مضى التصريح به، فاندرج في ذلك عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره، وقد علم من هذا السياق أنهم لما علموا تفرده تركوا المباهلة رهبة منه سبحانه وتعالى علماً منهم بأنهم له عاصون ولحقّه مضيعون وأن ما يدعون إلاهيته لا شيء في يده م الدفع عنهم ولا من النفع لهم، فلا برهان أقطع من هذا.