صفحة رقم ١٢٠
تقديم ( غير ) يفهم أن الإنكار منحط على طلبهم اختصاصاً لغير دين الله، وليس ذلك هو المراد كما لا يخفى، وأجيب بأن تقديمه الاهتمام بشأنه في الإنكار، والاختصاص متأخر مراعاته عن نكبة غيره - كما تقرر في محله ) دين الله ( الذي اختص بصفات الكمال ) يبغون ) أي يطلبون بفسقهم، أو أتوليتم - على قراءة الخطاب ) وله ) أي والحال أنه له حاصة ) أسلم ) أي خضع بالانقياد لأحكامة والجري تحت مراده وقضائه، لا يقدرون على مغالبة قدره بوجه ) من في السموات والأرض ( وهم من لهم قوة الدفاع بالبدن والعقل فكيف بغيرهم ) طوعاً ( بالإيمان أو بما وافق أغراضهم ) وكرهاً ( بالتسليم لقهره في إسلام أحدهم وإن كثرت أعوانه وعز سلطانه إلى أكره ما يكره وهو صاغرا داخر، لا يستطيع أمراً ولا يجد نصراً ) وإليه يرجعون ( بالحشر، لا تعالجون مقراً ولا تلقون ملجأ ولا مفراً، فإذا كانوا كذلك لا يقدرون على التفصي من قبضته بنوع قوة ولا حيلة في سكون ولا حركة فكيف يخالفون ما أتاهم من أمره على ألسنة رسله وقد ثبت أنهم رسله بما أتى به كل منهم من المعجزة ومن المعلوم أن المعاند للرسول ( ﷺ ) معاند للمرسل.
ولما تم تنزيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الدعاء إلى شيء غير الله، ثم هدد من تولى، فكان السامع جديراً بأن يقول : أنا مقبل غير متول فما اقول وما أفعل ؟ قال مخاطباً لرأس السامعين ليكون أجدر لامتثالهم :( قل ) أي قبل كل شيء، أي ملفتاً لمن نفعه هذا التذكير والتهديد فأقبل ) آمنا ( أنا ومن أطاعني من أمتي - مبكتاً لأهل الكتاب بما تركوه من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن بعده من خلص أبنائه، وأبوه وجادلوا فيه عدواناً وادعوه ؛ ثم فصل المأمور بالإيمان به فقال :( بالله ( الذي لا كفوء له.
ولما كان الإنزال على الشيء مقصوداً به ذلك الشيء بالقصد الأول كان الأنسب أن يقال :( وما أنزل علينا ( فيكون ذلك له حقيقة ولأتباعه مجازاً، وكانت هذه السورة بذلك أحق لأنها سورة التوحيد ) وما أنزل على إبراهيم ) أي أبينا ) وإسماعيل وإسحاق ) أي ابنيه ) ويعقوب ( ابن إسحاق ) والأسباط ) أي أولاد يعقوب.
ولما كان ما ناله صاحبا شريعة بني إسرائيل من الكتابين المنزلين عليهما والمعجزا الممنوحين بها أعظم مما كان لمن قبلهما غير السياق إلى قوله :( وما أوتي موسى ( من أولاد الأسباط من التوراة والشريعة ) وعيسى ( من ذرية داود من الإنجيل والسريعة الناسخة لشريعة موسى عليهما الصلاة والسلام.
ولما كان النظر هنا إلى الرسول ( ﷺ ) أكثر لكونها سورة التوحيد الذي هو أخلق به