صفحة رقم ١٣١
له الكمال كله متوقعاً للفلاح عبر بأداة التوقع مقرونة بفاء السبب فقال :( فقد هدى ( وعبر بالمجهول على طريقة كلام القادرين ) إلى صراط مستقيم ( ولما انقضى هذا التحذير من أهل الكتاب والتعجيب والترغيب، أمر بما يثمر ذلك من رضاه فقال :( ياأيها الذين آمنوا ) أي ادعوا ذلك بألسنتهم ) اتقوا الله ) أي صدقوا دعواكم بتقوى ذي الجلال والإكرام ) جق تقاته ( فأديموا الانقياد له بدوام مراقبته ولا تقطعوا أمراً دونه ) ولا تموتن ( على حالة من الحالات ) إلا وأنتم مسلمون ) أي منقادون أتم الانقياد، ونقل عن العارف أبي الحسن الشاذلي أن هذه الآية في اصل الدين وهو التوحيد، وقوله سبحانه وتعالى :
٧٧ ( ) فاتقوا الله ما استطعتم ( ) ٧
[ التغابن : ١٦ ] في فروعه.
ولما كان عزم الإنسان فاتراً وعقله قاصراً، دلهم - بعد أن أوقفتهم التقوى - على الأصل لجميع الخيرات المتكفل بالحفظ من جميع الزلات فقال :( واعتصموا ) أي كلفوا أنفسكم الارتباط الشديد والانضباط العظيم ) بحبل الله ) أي طريق دين الملك الذي لا كفوء له التي نهجها لكم ومهدها، وأصل الحبل السبب الذي يوصف به إلى البغية والحاجة، وكل من يمشي على طريق دقيق يخاف أن تزلق رجله عنه إذا تمسك بحبل مشدود الطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن الخوف، ولا يخفى دقة الصراط بما ورد به النقل الصحيح مثال دقته، فمن قهر نفسه وحفظها على التمسك به حفظ عن السقوط عما هو مثاله.
ولما أفهم كل من الضمير والحبل والاسم الجامع إحاطة الأمر بالكل أكده بقوله :( جميعاً ( لا تدعوا أحداً منكم يشذ عنها، بل كلما عثرتم على أحد فارقها ولو قيد شبر فردوه إليها ولا تناظروه ولا تهملوا أمره، ولا تغفلو عنه فيختل النظام، وتتعبوا على الدوام، بل تزالوا كالرابط ربطاً شديداً حزمة نبل بحبل، لا يدع واحدة منها تنفرد عن الأخرى، ثم أكد ذلك بقوله :( ولا تفرقوا ( ثم ذكرهم نعمة الاجتماع، لأن ذلك باعث على شكرها، وهو باعث على إدامة الاعتصام ولاتقوى، وبدأ منها بالدنيوية لأنها أس الأخروية فقال :( واذكروا نعمة الله ( الذي له الكمال كله ) عليكم ( يا من اعتصم بعصام الدين ) إذا كنتم أعداء ( متنافرين أشد تنافر ) فألف بين قلوبكم ( بالجمع على هذا الصراط القويم والمنهج العظيم ) فأصبحتم بنعمته إخواناً ( قد نزع ما في قلوبكم من الإحن، وأزال تلك الفتن والمحن.
ولما ذكر النعمة التي أنقذتهم من هلاك الدنيا ثنى بما تبع ذلك من نعمة الدين التي