صفحة رقم ١٣٤
ولما قدم ما لأهل الكتاب المقدمين على الكفر على علم يوم القيامة في قوله
٧٧ ( ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ( ) ٧
[ آل عمران : ٧٧ ] وختم تلك الآية بأنهم لهم عذاب أليم واستمر حتى ختم هذه الآية بأنه مع ذلك عظيم ؛ بين ذلك اليوم بقوله - بادئاً بما هو أنكى لهم من تنعيم أضدادهم - :( يوم تبيض وجوه ) أي بما لها من المآثر الحسنة ) وتسود وجوه ( بما عليها من الجرائر السيئة ) فأما الذين اسودت وجوههم ( بدأ بهم لأن النشر المشوش أفصح، ولأن المقام للترهيب وزيادة النكاية لأهله، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً :( أكفرتم ( يا سود الوجوه وعبيد الشهوات ) بعد إيمانكم ( بما جبلتم عليه من الفطر السليمة ومكنتم به من العقول المستقيمة من النظر في الدلائل، ثم بما أخذ عليكم أنبياؤكم من العهود ) فذوقوا العذاب ) أي الأليم العظيم ) بما كنتم تكفرون ( وأنتم تعلمون، فإنكم في لعنة الله ماكثون ) وأما الذين ابيضت وجوهم ( إشراقاً وبهاء لأنهم آمنوا فأمنوا من العذاب ) ففي رحمة الله ) أي ثمرة فعل ذي الجلال والإكرام الذي هو فعل الراحم.
لا في غير رحمته.
ثم أجاب عن سؤال من كأنه قال : هل تزول عنهم كما هو حال النعم في الدنيا ؟ بقوله - على وجه يفهم لزومها لهم في الدنيا والآخرة - :( هم ) أي خاصة ) فيها خالدون ( فلذا كانوا يؤمنون، فالآية من الاحتباك : إثبات الكفر أولاً دل على إرادة الإيمان ثانياً، وإثبات لارحمة ثانياً دل على حذف اللعنة أولاً.
ولما حازت هذه الآية من التهذيب وإحكام الترتيب وحسن السياق قصب السباق أشار إليها مع قربها بأداة البعد وأضافها إلى أعظم أسمائه فقال :( اتلك آيات الله ) أي هذه دلائل الملك الأعظم العالية الرتب البعيدة المتناول، ثم استأنف الخبر عنها في مظهر العظمة قائلاً :( نتلوها ) أي نلازم قصها، وزاد في تعظيمها بعد المبتدأ بالمنتهي فقال :( عليك ( ثم أكد ذلك بقوله :( بالحق ) أي ثابتة المعاني راسخة المقاصد صادقة الأقوال في كل مما أخبرت به من فوزكم وهلاكهم من غير أن نظلم أحداً منهم ) وما الله ) أي الحائز لجميع الكمال ) يريد ظلماً ( قلَّ أو جلَّ ) للعالمين ) أي ما ظلمهم ولا يريد ظلم أحد منهم، لأنه سبحانه وتعالى متعالٍ عن ذلك، لا يتصور منه وهو غني عنه، لأن له كل شيء.
ولما كان أمرهم بالإقبال عليه ونهيهم عن الإعراض عنه ربما أوقع في وهم أنه غير قادر على ضبطهم أو محتاج إلى ربطهم أزال ذلك دالاً على أنه غني عن الظلم بقوله :( ولله ( الملك الأعلى ) ما ) أي كل شيء ) في السموات و ( كل ) ما ي الأرض ( من جوهر وعرض مٍلكاً ومُلكاً.
ولما كان المقصود سعة الملك لم يضمر لئلا يظن تخصيص الثاني بما في حيز الأول فقال :( وإلى الله ( الذي لا أمر لأحد معه