صفحة رقم ١٣٦
فليس من هذه الأمة أصلاً، لأن الكون المذكور لا يحصل إلا بجميع ما ذكر، وكرر الاسم الأعظم زيادة في تعظيمهم، وقد صدق الله ومن أصدق من الله حديثاً قاال الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري في خطبة كتاب الاستيعاب : روى ابن القاسم عن مالك أنه سمعه يقول : لما دخل أصحاب رسول الله ( ﷺ ) الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال : ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالمناشير وصلبوا على لاخشب بأشد اجتهاداً من هؤلاء - انتهى.
ولما كان من المعلوم أن التقدير : وذلك خير لكم، عطف عليه قوله :( ولو آمن أهل الكتاب ) أي أوقعوا الإيمان كا آمنتم بجميع الرسل وجميع ما أنزل عليهم في كتابهم وغيره، ولم يفرقوا بين شيء من ذلك ) لكان ) أي الإيمان ) خيراً لهم ( إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العرض القليل الفاني والرئاسة التافهة، وتركهم الغنى الدائم والعز الباهر الثابت.
ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفاً :( منهم المؤمنون ) أي الثابتون في الإيمان، ولكنهم قليل ) وأكثرهم الفاسقون ) أي الخارجون من رتبة الأوامر والنواهي خروجاً يضمحل معه خروج غيرهم.
ولما كانت مخالفة اكثر قاصمة خفف عن أوليائه بقوله :( لن يضروكم ( ولما كان الضر - كما تقدم عن الحرالي - إيلام الجسم وما يتبعه من الحواس، والأذى إيلام النفس وما يتبعها من الأحةوال، أطلق الضر هنا على جزء معناه وهو مطلق الإيلام، ثم استثنى منه فقال :( إلا أذى ( ي بأسلنتهم، وعبر بذلك لتصويره مفهومي الأذى والضر ليستحضر في الذهن، فيكون الاستثناء أدل على نفي وصولهم إلى المواجهة ) وإن يقاتلوكم ) أي يوماً من الأيام ) يولوكم ( صرح بضمير المخاطبين نصاً في المطلوب ) الأدبار ) أي انهزاماً ذلاً وجبناً.
ولما كان المولي قد تعود له كرة بعد فرة قال - عادلاً عن حكم الجزاء لئلا يفهم التقييد بالشرط مشيراً بحرف التراخي إلى عظيم رتبة خذلانهم - :( ثم لا ينصرون ) أي لا يكون لهم ناصر نم غيرهم أبداً وإن طال المدى، فلا تهتموا بهم ولا بأحد يمالئهم من المنافقين، وقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك.