صفحة رقم ١٤٧
الله ( بما له من صفات الجلال والجمال ) ببدر ( المشار إليها أول السورة بقوله تعالى :
٧٧ ( ) قد كان لكم آية في فئتين التقتا ( ) ٧
[ آل عمران : ١٣ ] لما صبرتم واتقيتم.
ولما كانوا في عدد يسير أشار إليه بجمع القلة فقال :( وأنتم أذلة ) أي فاذكروا ذلك واجعلوه نصب أعينكم لينفعكم، وكان الإتيان بأمر بدر بعد آية الفشل المختتمة بالحث على التوكل في الغاية من حسن النظن، وهو دليل أيضاً على منطوق قوله تعالى :
٧٧ ( ) وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ( ) ٧
[ آل عمران : ١٢٠ ] كما كان أمر أحد دليلاً على منطوقها ومفهومها معاً : دل على منطوقها بنصرهم أول النهار عند صبرهم، وعلى مفهومها بإدالة العدو عليهم عند فشلهم آخره - والله الموفق ؛ على أنك إذا أنعمت التأمل في قصة أحد من السير واكتب الأخبار علمت أن الظفر فيها ما كان إلا للنبي ( ﷺ ) كما سيأتي الخبر به في قوله تعالى :( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) [ آل عمران : ٥٢ ]، فإن الصحابة رضي الله عنهم هزموهم - كما مضى - في أول النهار حتى لم يبق في عسكرهم أح، ولا بقي عند نسائهم حامٍ، فلما خالف الرماة أمره ( ﷺ ) وأقبلوا على الغنيمة أراد الله تأديبهم وتعريفهم أن نصرته لنبيه ( ﷺ ) غير محتاجة في الحقيقة إليهم حين انهزموا حتى لم يبق مع النبي ( ﷺ ) منهم غير نفر يسر ما يبلغون الخمسين، والكفار ثلاثة آلاف وخيلهم مائتان، فاستمر عليه الصلاة والسلام في نحورهم يحاولهم ويصاولهم، يرامونه مرة ويطاعنون أخرى، ويجتمعون عليه كرة ويفترقون عنه أخرى، والله تعالى يمنعه منهم بأيده ويحفظه بقوته حتى تدلت الشمس للغروب، وقتل بيده ( ﷺ ) أُبي بن خلف مبارزة، تصديقاً لما كان أوعده به قبل الهجرة، وخالطوه غير مرة ولم يمكنهم الله منه ولا أقدرهم على أسر أحد من أصحابه، ثم ردهم خائبين بعد أن تراجع إليه من أصحابه في أثناء النهار، ولم يرجع ( ﷺ ) من أحد إلا بعد انصرافهم ودفن من اشتشهد من أصحابه، وأما هم فاستمروا راجعين ولم يلووا على أحد ممن قتل منهم، وهم اثنان وعشرون رجلاً من سرواتهم وحمال راياتهم، وقال الجلال الخجندي في كتابه فردوس المجاهدين : إنه صح النقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ما نصر النبي ( ﷺ ) في موطن من المواطن نصرته في يوم أحد - انتهى.
كفى على ذلك دليلاً ما نقل موسى بن عقبة - وسيرته أصح السير في غزوة الفتح - عن قائد الجيش بأحد أبي سفيان بن حرب أنه قال عندما عرض عليه النبي ( ﷺ ) الإسلام : يا محمد قد استنصرت