صفحة رقم ١٤٩
هو أصل الباب الذي يثمر باقيه، وهوالمراد بقول ابن هشام في السيرة : إن المعنى : فاتقوني، فإنه شكر نعمتي، ويجوز أن يكون : لعلكم تزدادون نعماً فتشكرون عليها - إقامة للمسبب مقام السبب - والله أعلم.
ولما اشتملت هذه القصة على المصيبة التي سيقص الله كثيراً منها، وهي مستوفاة في السير كان أنسب من قصها وبيان ما اتفق لها - لوعظ من يأتي - البداءةُ بتذكير من باشرها بما وعدهم الله به على لسان نبيه ( ﷺ ) قبل وقوع القتال من النصر المشروط بالصبر والتقوى تنبيهاً لهم على أن الخلل من جهتهم أتى، ثم وعظمهم بالنهي عما منعهم النصر، والأمر بما يحصله لهم كما سيحثهم على ذلك بما يقص عليهم من نبأ من قاتل مع الأنبياء قبلهم بأنهم لما أصابهم القتل لم يهنوا وعلموا أن الخلل من أنفسهم، فبادروا إلى إصلاحه بأفعال المتقين من الصبر والتضرع وافقرار بالذنب، فقال - مبدلاً من ) إذ غدوت ( عوداً على بدء تعظيماً للأمر حثاً على النظر في موارده ومصادره والتدبر لأوائله وأواخره - :( إذ تقول للمؤمنين ) أي الذين شاورتهم في أمر أحد - وفي غمارهم المنافقون - لما زلزلوا برجوع أكثر المنافقين به، حتى كاد بعض الثابتين أن يرجع ضعفاً وجبناً، مع ما كان النبي ( ﷺ ) أخبرهم به من تلك الرؤيا التي أولها بذبح يكون في أصحابه، ليكون إقدامهم على بصيرة، أو يصدهم ذلك عن الخروج إلى العدو كما كان ميل النبي ( ﷺ ) في أكثر أصحابه وإعلامهم إلى المكث في المدينة قال منكراً آتياً بأداة التأكيد للنفي :( ألن يكفيكم ) أي أيها المؤمنون ) أن يمدكم ( إمداداً خفياً - بما أشار إليه الإدغام ) ربكم ) أي المتولي لتربيتكم ونصر دينكم ) بثلاثة آلاف ( ثم عظم أمرهم بقوله :( من الملائكة ( ثم زاد في إعظامهم بأنهم من السماء بقوله :( منزلين ( ثم تولى سبحانه وتعالى هو الجواب عنهم تحقيقاً للكفاية فقال :( بلى ) أي يكفيكم ذلك، ثم استأنف قوله :( إن تصبروا وتتقوا ) أي توقعوا الصبر والتقوى لله ربكم، فتفعلوا ما يرضيه وتنتهوا عما يسخطه ) ويأتوكم ) أي الكفار ) من فورهم ) أي وقتهم، استعير للسرعة التي لا تردد فيها، من : فارت القدر - إذا غلت ) هذا ) أي وقتهم، استعير ) يمددكم ) أي إمداداً جلياً - بما أشار إليه إشارة لفظية : الفك، وإشارة معنوية : التسويم ) ربكم ) أي المحسن إليكم بأكثر من ذلك ) بخمسة آلاف من الملائكة ( ثم بين أنهم من أعيان الملائكة بقوله :( مسومين ) أي معلمين بما يعرف به مقامهم في الحرب، والظاهر من التغعبير بالتسويم إفهام القتال، ومن الاقتصار على الإنزال عدمه، ويكون فائدة نزولهم البركة بهم وإرهاب الكفار بمن يرونه منهم.
قال البغوي : قال ابن عباس ومجاهد : لم يقاتل الملائكة في المعركة إلا يوم بدر، وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون، إنما يكونون عدداً ومدداً.


الصفحة التالية
Icon