صفحة رقم ١٦٩
فإنه لا يكون إلا من أمن ؛ روي البخاري في التفسير عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه قال :( غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه ) ولما كان لبعضهم فقط استأنف وصفه بقوله :( يغشى طائفة منكم ( وهم المؤمنون، وابتدأ الإخبار عن الباقين بقوله :( وطائفة ) أي أخرى من المنافقين ) قد أهمتهم أنفسهم ( لا المدافعة عن الدين فهم إنما يطلبون خلاصها، ولا يجدون إلى ذلك فيما يظنون سبيلاً لاتصال رعبهم وشدة جزعهم، فعوقبوا على ذلك بأنه لم يحصل لهم الأمن المذكور، ثم فسر همهم فقال :( يظنون بالله ( المحيط بصفات الكمال ) غير الحق ) أي من أن نصره بعده هذا لا يمكن، أو أنهم لو قعدوا في المدينة لم يقتل أحد، ونحو ذلك من سفساف الكلام وفاسد الظنون التي فتحتها لو والأوهام ) ظن الجاهلية ) أي الذين لا يعلمون - من عظمة الله سبحانه وتعالى بأن ما أراده كان ولا يكون غيره - ما يعلم أتباع الرسل.
ثم فسر الظن بقوله :( يقولون ) أي منكرين لأنه لم يجعل الرأي رايهم ويعمل بمقتضاه غشباً وتاسفاً على خروجهم في هذا الوجه وعدم رجوعهم مع ابن أبيّ بعد أن خرجوا ) هل لنا من الأمر ) أي المسموع، ولكون الاستفهام بمعنى النفي ثبتت أداة الاستغراق في قوله :( من شيء ( فكأنه قيل : فماذا يقال لهم ؟ فقيل :( قل ) أي لهم رداً عليهم احتقاراً بهم ) إن الأمر ) أي الحكم الذي لا يكون سواه ) كله لله ) أي الذي لا كفوء له، وليس لكم ولا لغيركم منه شيء، شئتم أو أبيتم، غزوتم أو قعدتم، ثبتم أو فررتم.
ولما قص سبحانه وتعالى عليهم بعض أمرهم في هذه الحرب، وبين لهم شيئاً من فوائد ما فعل بهم بقوله :
٧٧ ( ) إن يمسسكم قرح ( ) ٧
[ آل عمران : ١٤٠ ] وكان من جملة ذلك ما أظهر من أسرار المنافقين بهذه الوقعة في اتهامهم الله ورسوله، حتى وصل إلى هنا، وكان قولهم هذا غير صريح في الاتهام لإمكان حمله على مساق الاستفهام أخبر سبحانه وتعالى بتدليسهم بقوله :( يخفون ) أي يقولون ذلك مخفين ) في أنفسهم ما لا يبدون لك ( لكونه لا يرضاه اللهز ثم بين ذلك بعد إجماله فقال :( يقولون لو كان لنا من الأمر ) أي المسموع ) شيء ما قتلنا ههنا ( لأنا كنا نمكث في المدينة ولا نخرج إلى العدو.
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنهم بما أخفوه جهلاً منهم ظناً أن الحذر يغني من لاقدر أمره سبحانه وتعالى بالرد عليهم بقوله :( قل لو كنتم في بيوتكم ) أي بعد أن