صفحة رقم ٢٢٥
ولما كان اختصاصهم بالإرث عن النساء والأطفال من الفوز عندهم، بل لم يكن الفوز العظيم عندهم إلا الاحتواء على الأموال وبلوغ ما في البال منها من الآمال قال تعالى معظماً بأداة البعد :( وذلك ) أي الأمر العالي المرتبة من الطاعة المندوب إليها ) الفوز العظيم ) أي لا غيره من الاحتواء على ما لم يأذن به الله، وهذا أنسب شيء لتقديم الترغيب لتسمح نفوسهم بترك ما كانوا فيه مع ما فيه من التلطف بهذه الأمة والتبشير له ( ﷺ ) بأنها مطيعة راشدة.
ولما أشربت القلوب الصافية ذوات الهمم العالية حب نيل هذا الفوز أتبع الترهيب فطماً لها عن تلك الفوائد بالكلية فقال :( ومن يعص الله ) أي الذي له العظمة كلها ) ورسله ) أي في ذلك وغيره ) ويتعد حدوده ) أي التي حدها في هذه الأحكام وغيرها، وأفرد العاصي في النيران في قوله :( يدخله ناراً خالداً فيها ( لأن الانفراد المقتضي للوحشة من العذاب والهوان، ولما كان منعهم للنساء والأطفال من الإرث استهانة بهم ختم الآية بقوله :( وله عذاب مهين ( ولما تقدم سبحانه في الإيصاء بالنساء، وكان الإحسان في الدنيا تارة يكون بالثواب، وارة يكون بالزجر والعتاب، لأن مدار الشرائع على العدل والإنصاف، والاحتراز في كل باب عن طرفي الإفراط والتفريط، وختم سبحانه بإهانة العاصي إحساناً إليه بكفه عن الفساد، لئلا يلقيه ذلك إلى الهلاك أبد الآباد، وكان من أفحش العصيان الزنى، وكان الفساد في النساء أكثر، والفتنة بهن أكبر، والضرر منهن أخطر، وقد يدخلن على الرجال من يرث منهم من غير أولادهم ؛ قدمهن فيه اهتماماً بزجرهن فقال :( واللاتي ( وهو جمع ( التي ) ولعله عبر فيهن بالجمع إشارة إلى كثرتهن - كما أشار إلى ذلك ) مثنى وثلاث ورباع ) [ النساء : ٣ ] وإلى كثرة الفساد منهن ) يأتين ) أي يفعلن من إطلاق السبب على المسبب والتعبي ربع أبلغ ) الفاحشة ) أي الفعلة الشديدة الشناعة، وفي الآية لأن من أعظم المرادات بنظمها عقب آيات الإرث وما تقدمها الاحتياط للنسب إشارة بذكر عقوبة الزانية من غير تعرض لأرص الولد الآتي منها إلأى أن الولد للفراش، وأنه لا ينفي بالمظنة، بل بعد التحقق على ما سورة النور، لأنهع لا يلزم من وجود الزنى نفيه، وكونه من الزنى، قال أبو حيان في النهر :" الفقاحشة هنا الزنى بإجماع المفسرين إلا ما ذهب إليه مجاهد وتبعه أ [ و مسلم الأصفهاني من أنها لامساحقة، ومن الرجال اللواط، ثم بين الموصول بقوله ) من نسائكم ) أي الحرائر فاستشهدوا ) أي فأطلبوا أن تشهدوا ) عليهن أربعة ( من الرجال. ولما كان تعالى قد جعل هذه الأمة وسطا يقبلون على غيرهم ولا يقبل غيرهم