صفحة رقم ٢٢٨
أخرجتهم عن الحق والعلم فكانوا كأنهم لا يعلمون - بعملهم عمل أهل الجاهلية الذين لا يعلمون، وزاد في التنفير من مواقعة السوء والتحذير بقوله :( ثم يتوبون ) أي يجددون التوبة.
ولما كان المراد الترغيب فيها ولو قصر زمنها بمعاودة الذنب أثبت الجار فقال :( من ) أي من بعض زمان ) قريب ) أي من زمن المعصية هم في فسحة من الأجل، وذلك كناية عن عدم الإصرار إلى الموت، ولعله عبر بثم إشارة إلى بُعد التوبة ولا سيما مع القرب ممن واقع المعصية، لأن الغالب أن الإنسان إذا ارتبك في حبائلها لا يخلص إلا بعد عسر، ولذلك أشار إلى تعظيمهم بأداة البعد في قوله - مسبباً عن توبتهم واعداً أنه فاعل ما أوجبه على نفس لا محالة من غير خلف وإن كان لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء :( فأولئك ) أي العظيمو الرتبة الصادقو الإيمان ) يتوب الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) عليهم ) أي يردهم إلى ما كانوا فيه عندهم من مكانة القرب قبل مواقعة الذنب ) وكان الله ) أي المحيط علماً وقدرة ) عليماً ) أي بالصادقين في التوبة.
والكاذبين وبنياتهم، فهو يعاملهم بحسب ما يقتضيه حالهم ) حكيماً ( فهو يضع الأشياء في أحكم محل لها، فمهما فعله لم يمكن نقضه.
ولما بين بحسانه المقبول أتبعه المطرود فقال :( وليست التوبة ) أي قبولها ) للذين يعملون السيئات ) أي واحده بعد أخرى مصرين عليها فسقة كانوا أو فكرة، غير راجعين من قريب، بل يمهلون ) حتى إذا حضر ( ولما كان تقديم المفعول - على وجه يجوّز كل سامع وقوعه عليه - أهول، لكونه يصير مرتقباً حال فاعله، خائفاً من عاقبته قال :( أحدهم الموت ) أي بأن وصل إلى حد الغرغرة، وهي حالة المعاينة ) قال ) أي بلسانه كفرعون، أو قلبه ) إني تبت الآن ( فبين أن ما قبل الاحتضار قريب مع الترغيب في المسارعة جداً بالتعبير بقريب ) ولا الذين ) أي وليست التوبة للذين ) يموتون وهم كفار ( حقيقة أو مجازاً، من غير أن يتوبوا، ولا عند الغرغرة، فسوى بين الفسق والكفر تنفيراً من الفسق لصعوبة النزع عنه بعد مواقعته، ولذلك جمعهما في العذاب بقوله - جواباً لمن كأنه قال : فما جزاء هذين الصنفين :( أولئك ) أي البعداء من الرحمة، الذين لم يتوبوا إلا حال الغرغرة، والذين ماتوا مصرين ) أعتدنا ) أي هيأنا وأحضرنا ) لهم عذاباً ( ولما كان تأخير التوبة لذة نفسانية ختم بقوله :( أليماً ) أي نعذب به الكافرين ومن شئنا من عصاة المؤمنين، لأن توبتهم في تلك الحالة عدم، ولاميت من غير توبة من المؤمنين في المشيئة.


الصفحة التالية
Icon