صفحة رقم ٢٣٨
النساء :( ٢٦ ) يريد الله ليبين.....
) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ( )
ولما أتم سبحانه الحلال والحرام من هذه الحدود والأحكام، وختها بصفة الرحمة بين ما أراد باه من موجبات الرحمة تذكيراً بالنعمة لتشكر، وتحذيراً من أن تنسى فتكفر فقال تعالى :( يريد الله ) أي الملك الأعظم إنزال هذه الأحكام على هذا النظام ) ليبين لكم ) أي ليوقع لكم البيان الشافي فيما لكم وعليكم من شرائع الدين ) ويهديكم ) أي يعرفكم ) سنن ) أي طرق ) الذين ( ولما كان المراد بعض الماضين وقال :( من قبلكم ) أي من أهل الكتاب : الأنبياء وأتباعهم ) ويتوب عليكم ) أي يرجع بكم عن كل ما لا يرضيه، لا سيما ما يجر إلى المقاطعة - مثل منع النساء والأطفال الإرث، ومثل نكاح ما يحرم نكاحه وغير ذلك، فأعلمهم بهذا أنهم لم يخصهم بهذه التكاليف، بل يسلك بهم فيها صراط الذين أنعم عليهم ليكون ذلك أدعى لهم إلى القبول وأعون على الامتثال، وليتحققوا أن إلقاء أهل الكتاب الشبه إليهم وتذكيرهم بالأضغان لإرادة إلقاء العداوة محض حسد لمشاركتهم لهم في مننهم إذ هدوا لسننهم، وما أحسن ختم ذلك بقوله :( والله ) أي المحيط بأوصاف الكمال ) عليم حكيم ( فلا يشرع لكم شيئاً إلا وهو في غاية الإحكام.
فاعملوا به يوصلكم إلى دار السلام.
بيان ذلك أن ما في هذه السورة الأمر بالتقوى والحث عليها، وبيان الفرائض وأمر الزناة، وما يحل ويحرم من النساء، والتحري في الأموال، والإحسان إلى الناس، لا سيما الأيتام والوالدين، والإذعان للأحكام، وتحريم القتل، والأمر بالعدل في الشهادة وغيرها، وكل ذلك مبين أصوله في التوراة كما هو مبثوث في هذا الديوان عن نصوصها في المواضع اللائقة به، لكن القرآن أحسن بياناً وأبلغ تبياناً وأبدع شأناً وألطف عبارة وأدق إشارة، وأعجب ذلك أن سبب إنزال فرائض الميراث في شريعتنا النساء، ففي الصحيحين وغيرهما عن جابر رضي الله عنه قال :( مرضت فعادني رسول الله ( ﷺ )، فأتاني وقد أغمي عليّ ) وفي رواية البخاري في التفسير :( عادني النبي ( ﷺ ) وأبو بكر في بنني سلمة ماشيين، فوجدني النبي ( ﷺ ) لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ فصب عليّ وضوءه فأفقت، فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ؟ ) وفي رواية لمسلم :( إنما يرثني كلالة فلم يجبني بشيء ) وفي رواية الترمذي :( وكانت لي تسع أخوات


الصفحة التالية
Icon