صفحة رقم ٢٤
بالمحكم لا يصلح الترامي إلى شيء من الخوض في المتشابه لأحد من أهل العلم والإيمان أهل الدرجات، لأن الله سبحانه وتعالى جبل الخلق وفطرهم على إدراك حظ من أنفسهم من أحوالهم، وأوقفهم عن إدراك ما هو راجع إليه، فأمر الله وتجلياته لا تنال إلا بعنايه منه، يزج العبد زجه يقطع به الحجب الظلمانية والنورانية التي فيها مواقف العلماء ؛ فليس في هذا الحرف المتشابه إلا أخذ لسانين : لسان وقفة عن حد الإيمان للراسخين في العلم المشتغلين بالاتصاف بالتذلل والتواضع والتقوى والبر الذي أمر أن يتبع فيه حتى ينتهي العبد إلى أن يحبه الله، فيرفع عنه عجز الوقفه عن المتشابه، وينقذه من حجاب النورانية، فلا يشكل عليه دقيق ولا يعييه خفي بما أحبه الله، وما بين ذلك من خوض دون إنقاذ هذه العناية فنقص عن حد رتبة الإيمان والرسوخ في العلم، فكل خائض فيه ناقص من حيث يحب أن يزيد، فهو إما عجو إيماني من حيث الفطر الخلقي، وإما تحقق إيقاني توجبه العناية والمحبة انتهى.
ولما ذكر سبحانه وتعالى اتباعهم له ذكر علته فقال :( ابتغاء الفتنة ) أي تمييل الناس عن عقائدهم بالشكوك ) وابتغاء تأويله ) أي ترجيعه إلى ما يشتهونه وتدعوا إليه نفوسهم المائلة وأهويتهم الباطلة بادعاء أنه مآله.
قال الحرالي : والابتغاء افتعال : تكلف البغي، وهو شدة الطلب، وجعله تعالى ابتغاءين لاختلاف وجهيه، فجعل الأول فتنة لتعلقه بالغير وجعل الثاني تأويلاً أي طلباً للمآل عنده، لاقتصاره على نفسه، فكان أهون الزيغين انتهى.
ولما بين زيغهم بين أن نسبة خوضهم فيما لا يمكنهم علمه فقال :( وما ) أي والحال أنه ما ) يعلم ( في الحال وعلى القطع ) تأويله ( قال الحرالي : هو ما يؤول إليه أمر الشيء في مآله إلى معاده ) إلا الله ) أي المحيط قدرة وعلماً، قال : ولكل باد من الخلق مآل كما أن الآخرة مآل الدنيا
٧٧ ( ) يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ( ) ٧
[ الأعراف : ٥٣ ] لذلك كل يوم من أيام الآخرة مآل للذي قبله، فيوم الخلود مآل يوم الجزاء، ومآل الأبد مآل يوم الخلود ؛ وأبد الأبد مآل الأبد، وكذلك كل الخلق له مآل يوم الجزاء، فأمر الله مآل خلقه وكذلك الأمر، كل تنزيل أعلى منه مآل التنزيل الأدنى إلى كمال الأمر، وكل أمر الله مآل من أسمائه وتجلياته، وكل تجل أجلى مآل لما دونه من تجل أخفى، قال عيه الصلاة والسلام :( فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها الحديث إلى قوله : أنت ربنا ( فكان تجليه الأظهر لهم مآل


الصفحة التالية
Icon