صفحة رقم ٢٤٨
الله ) أي الذي له العظمة كلها، فلا ينقصه شيء ) به ( اي من المال وغيره ) بعضكم عن بعض ) أي في الإرث وغيره من جميع الفضائل النفسانية المتعلقة بالقوة النظرية كالذكاء التام والحدس الكامل وزيادة المعارف بالكمية والكيفية، أو بالقوة العملية كالعفة التي هي وسط بين الجمود والفجور، والشجاعة التي هي وسط بين التهور والجبن، والسخاء الذي هو سوط بين الإسراف والبخل، وكاستعمال هذه القوى على الوجه الذي ينبغي وهو العدالة، أو القضائل البدنية كالصحة والجمال والعمر الطويل مع اللذة والبهجة، أو الفضائل الخارجية مثل كثرة الأولاد الصلحاء، وكثرة العشائر والأصدقاء والأعوان، والرئاسة التامة ونفاذ القول، وكونه محبوباً للناس حسن الذكر فيهم ؛ فهذه مجامع السعادا وبعضها نظرية لا مدخل للكسب فيها، وبعض كسبية، ومتى تأمل العاقل في ذلك وجده محض عطاء من الله، فمن شاهد غيره أرفع نمه في شيء من هذه الأحوال تألم قلبه وكانت له حالتان : إحداهما أن يتمنى حصول مثل تلك السعادة له، والأخرى أن يتمنى زوالها عن صاحبهان وهذا هو الحسد المذموم، لأنه كالاعتراض على الله الذي قسم هذه القسمة، فإن اعتقد أنه أحق منه قد فتح على نفسه باب الكفر، واستجلب ظلمات البدعة، ومحا نور الإيمان، فإن الله فعال لما يريد، لا يسأل عما يفعل فلا اعتراض عليه، وكما أن الحسد سبب الفاسد في الدين فهو سبب الفساد في الدنيا ؛ فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علماً بأن ذلك مصلحة، ولو كان غير ذلك فسد، فإن ذلك كله قسمة من الله صادرة عن حكمه وتدبيره وعلمه بأحوال العباد فيما يصلحهم ويفسدهم.
وأما تمني المثل فإن كان دينياً كان حسناً، كما قال ( ﷺ ) ( لا حسد إلا في اثنتين ) وإن كان دنيوياً فمن الناس من جوز ذلك، ومنهم من قال - وهم المحققون : لا يجوز ذلك، لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين ومضرة في الدنيا كقصة قارون - قال معنى ذلك الإمام الرازي.