صفحة رقم ٢٥٣
الإطلاق بكمال القدرة ونفوذ المشيئة، فهو لا يحي الباغي ولا يقره على بغية، وقدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن، وهو مع ذلك يعفو عمن أعصاه وإن ملأ ألأرض خطايا إذا أطاعهع، ولا يؤاخذه بشيء مما فرط في حقه، بل يبدل سيئاته حسنات فلو أخذكم بذنوبكم أهلككم، فتخلفوا بما قدرتم عليه من صفاته لتنالوا جليل هباته، وخافوا سطواته، واحذروا عقوبته، بما له من العلو والكبر.
ولما حال الوفاق وما خالطه من شيء من الأخلاق التي يقوم بإصلاحها الزوج، أتبعه حال المباينة والشقاق المحوج إلى من ينصف أحدهما من الآخر فقال :( وإن خفتم ) أي أيها المتقون القادرون على الإصلاح من الولاة وغيرهم ) شقاق بينهما ) أي الزوجين المفهومين من السياق، يكون كل واحد منهما في شق غير الشق الذي فيه الآخر، ولا يكون ذلك إلا وأحدهما على باطل وأضاف الشقاق إلى البين ليفيد أن هذا العمل إنما يكون عند الخوف من شقاق خاص، وهو أن يكون البين المضاف إليهما وهو الذي يميز كل واحد منهما من الآخر لا تمكن في العادة إزالته ليكونا شيئا واحدا كما كانا لا بين لهما، وذلك بظن أنه لا صلاح في اجتماعهما ) فابعثوا ) أي إليهما للإصلاح بينهما بإنصاف المظلوم من الظالم ) حكما من أهله ) أي الزوج ) وحكما من أهلها ) أي الزوجة، هذا أكمل لأن أهلهما أقرب إلى إزالة أسباب الشقاق من بينهما، لأنهم أجدر بالإطلاع على بواطن أمورهما وعلى حقائق أحوالهما، والزوجان أقرب إلى إطلاعهما إن كانا قريبيتن على ضمائرهما، وأقرب إلى إخفاء ذلك عن الأجانب، وفائدة الحكمين أن يخلو كل منهما بصاحبه ويستكشف حقيقة الحال ليعرف وجه الصلاح.
ةثم أجاب من كأنه قال : وماذا عسى أن يضيفا ؟ بقوله " ) إنت يريدا ) أي الحكمان ) إصلاحا ) أي بينهما، وكأنه تكره لأن الإخلاص ووجود الكمال قليل ) يوفق الله ( الذي له الإحاطة بعلم الغيب والشهادة ) بينهما ) أي الزوجين لأن صلاح النية أكبر معين على بلوغ المقاصد، وهذا دال على أنه لا يكون شيء إلا بالله، وأن الأسباب إنما هي محنة من الله، يسعد بها من يباشرها ويعتمد على الله دونها، ويشقى بها من يجعلها محط قصده، فيعتمد عليها.
ولما كان المصلح قد يظن مفسدا لصدعه بمر الحق من غير مداراة، والمفسد قد يعد مصلحا لما يرى منه من المداهنة والمراءاة والمكر، فيظن من يخلف الوعد بالتوفيق غير ما نفس الأمر، قال تعالى لهذا الوهم مرغبا ومرهبا ) إن الله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال ) كان عليما ) أي مطلقا على ما يمكن الاطلاع عليه وإن


الصفحة التالية
Icon