صفحة رقم ٢٥٧
الخصال كفراً حقيقياً بما أوصلهم إليه لزوم الأخلاق الدنية، أو مجازياً بكتمان النعمة ) عذاباً مهيناً ) أي بما اغتروا بالمال الحامل على الفخر والكبر والاختيال ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ).
ولما ذم المقترين، أتبعه ذم المسرفين المبذرين فقال - عطفاً على ) الكافرين ( أو ) الذين يبخلون ( معرفاً أن الذين لا يحسنون على الوجه المأمور به فينم تقدم الأمر بالإحسان إليهم فرقتان : فرقة يمنعون النفقة أصلاً، وفرقة يمنعون وصفها ويفعلونها رياء، فيعدمون بذلك روحها - :( والذين ينفقون ( وأشار إلى عظيم رغبتهم في نفقتهم بقوله :( أموالهم ( ودل على خسة مقاصدهم وسفول هممهم بقوله :( رئاء الناس ) أي لقصور نظرهم وتقيده بالمحسوسات كالبهائم التي لا تدرك إلا الجزيئات المشاهدات.
ولما ذكر إخراج المال على وجه لا يرضاه ذو عقل، ذكر الحامل عليه مشيراً إلى أنهم حقروا أنفسهم بما عظموها به، وذلك أنهم تعبدوا للعبيد، وتكبروا على خالقهم العزيز المجيد فقال :( ولا يؤمنون بالله ( وهو الملك الأعظم.
ولما كان المأمور بالإحسان إليهم هنا من الوالدين ومن ذكر معهم أخص ممن أشير إليهم في البقرة، أكد بزيادة النافي فقال :( ولا باليوم الآخر ( الحامل على كل خير، والنازع عن كل شر.
ولما كان التقدير : فكان الشيطان قرينهم، لكفره بإعجابه وكبره ؛ عطف عليه قوله :( ومن يكن الشيطان ) أي وهو عدوه البعيد من كل خير، المحترق بكل ضير ) له قريناً ( فإنه يحمله على كل شر، ويبعده عن كل خير ؛ وإلى ذلك أشار بقوله :( فساء قريناً ( ولما كان التقدير : فماذا لهم في الكفر والإنفاق رياء لمن لا ضر ولا نفع بيده ؟ عطف عليه قوله تعنيفاً لهم وإنكاراً عليهم :( وماذا عليهم ) أي من حقير الأشياء وجليلها ) لو آمنوا بالله ) أي الذي له كل كمال، وبيده كل شيء ) واليوم الآخر ( الحامل على كل صلاح ) وأنفقوا ( ولما وصفهم بإنفاق جميع أموالهم للعدو الحقير أشار إلى شحهم فيما هو لله العلي الكبير بشيء يسير يحصل لهم به خير كثير، فقال :( مما رزقهم الله ( الذي له الغنى المطلق والجود الباهر، ولما كان التقدير : فقد كان الله عليهم لما بذروا أموالهم قديراً، عطف عليه قوله :( وكان الله ) أي المحيط بصفات الكمال ) بهم ) أي في كلتا الحالتين ) عليماً ) أي بليغ العلم، وللإعلام بعظمة العلم بهم قدم الجار المفيد للاختصاص في غير هذا الموضع.