صفحة رقم ٢٦٥
أي نبعدهم جداً عن صورة البشر أن نقلب وجوههم أو جميع ذواتهم على صورة القردة ) كما لعنا أصحاب السبت ( إذ قلنا لهم
٧٧ ( ) كونوا قردة خاسئين ( ) ٧
[ البقرة : ٦٥ ] ويكون الوجه في هذا التقدير الأخير عبارة عن الجملة، فهو إذن ما استعمل في حقيقته ومجازه، ويجوز أن يكون واحد الوجهاء، فيكون عود الضمير إليه استخداماً، ويكون المراد بالرد على الأدبار جعلهم أدنياء صغرة من الأسافل - والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولما كان ذلك أمراً غريباً ومقدوراً عجيباً، وكان التقدير : فقد كان أمر الله فيهم بذلك - كما علمتم - نافذاً ؛ أتبعه الإعلام بأن قدرته شاملة، وأن وجوه مقدوراته لا تنحصرن فقال عاطفاً على ما قدرته :( وكان أمر الله ) أي حكمه وقضاؤه ومراده في كل شيء شاء منهم ومن غيره بذلك وبغيره، لأن له العظمة التي لا حد لها والكبرياء التي تعيي الأوصاف دونها ) مفعولاً ) أي كائناً حتماً، لا تخلف له أصلاً، فلا بد من وقوع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا، وقد آمن بعضهم فلم يصح أنهم لم يؤمنوا، لأنه قد وقع منهم إيمان.
ولما كانوا مع ارتكابهم العظائم يقولون : سيغفر لنا، وكان امتثالهم لتحريف أحبارهم ورهبانهم شركاً بالله - كما قال سبحانه وتعالى
٧٧ ( ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أراباباً من دون الله ( ) ٧
[ التوبة : ٣١ ] قال - معللاً لتحقيق وعيدهم، معلماً أن ما أشير إليه من تحريفهم أداهم إلى الشرك - :( إن الله ) أي الجامع لصفات العظمة ) لا يغفر أن يشرك به ) أي على سبيل التجديد المستمر إلى الموت سواء كان المشرك من أهل الكتاب أم لا، وزاد ذلك حسناً انه في سياق
٧٧ ( ) واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ( ) ٧
[ النساء : ٣٦ ] ولما أخبر بعدله أخبر بفضله فقال :( ويغفر ما دون ذلك ( الأمر الكبير العظيم من كل معصيته سواء كانت صغيرة أو كبيرة، سواء تاب فاعلها أو لا، ورهب بقوله - إعلاماً بأنه مختار، لا يجب عليه شيء - :( لمن شيئاً ( ولما كان التقدير : فإن من أشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً، عطف عليه قوله :( ومن يشرك ) أي يوجد منه شرك في الحال أو المآل، وأما الماضي فجبته التوبة ) بالله ) أي الذي كل شيء دونه ) فقد افترى ) أي تعمد كذباً ) إثماً عظيماً ) أي ظاهراً في نفسه من جهة عظمه أنه قد ملأ أقطار نفسه وقلبه وروحه وبدنه مظهراً للغير أنه إثم، فهو في نفسه منادٍ بأنه باطل مصر، فلم يدع للصلح موضعاً، فلم تقتض الحكمة العوف عنه، لأنه قادح في الملك، وإنما طوى مقدمة الضلال وذكر مقدمة الافتراء - لكون السياق لأهل الكتاب الذين ضلالهم على علم منهم وتعمد وعناد، بخلاف ما يأتي عن العرب، وفي التعبير بالمضارع استكفاف مع استعطاف واستجلاب في استرهاب.


الصفحة التالية
Icon