صفحة رقم ٢٦٨
) أم ) أي ليس ) لهم نصيب ) أي واحد من الأنصباء ) من الملك فإذاً ) أي فيتسبب عن ذلك أنهم إذا كان لهم أدنى نصيب منه ) لا يؤتون الناس ) أي الذين آمنوا ) نقيراً ) أي شيئاً من الدنيا ولا الآخرة من هدى ولا من غيره، والنقير : النقرة في ظهر النواة، قيل : غاية في القلة ؛ فهو كناية عن العدم، فهو بيان لأنهم لإفراط بخلهم لا يصلحون إلا لما هم فيه من الذل فكيف بدرجة الملك لأن الملك والبخل لا يجتمعان ) أم ) أي ليس لهم نصيب ما من الملك، بل ذلهم لازم وصغارهم أبداً كائن دائم، فهم ) يحسدون الناس ) أي محمداً ( ﷺ ) الذي جمع فضائل الناس كلهم من الأولين والآخرين وزاد عليهم ما شاء الله، أو العرب الذي لا ناس الآن غيرهم، لأنَّا فضلناهم على العالمين - بأن يتمنوا دوام ذلهم كما دام لهم هم، ودل على نهاية حسدهم بأداة الاستعلاء في قوله :( على ما آتاهم الله ) أي بما له من صفات الكمال ) من فضله ( حسدوهم لما رأوا من إقبال جدهم وظهور سعدهم وأنهم سادة الناس وقادة أهل الندى والبأس :
إن العرانين تلقاها محسدة ولن ترا للئام الناس حساداً
وقد آتاهم الله سبحانه وتعالى جميع أنواع الملك، فإنه على ثلاثة أقسام : ملك على الظواهر والبواطن معاً، وهو للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما لهم من غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة والشفاعة والبر واللطف التي كل منها سبب للانقياد، وذلك مع ما لهم بالله سبحانه وتعالى من تمام الوصلة ؛ وملك على الظواهر فقط، وهو ملك الملوك ؛ وملك على البواطن فقط، وهو ملك العلماء.
ولما ذمهم سبحانه وتعالى أولاً بالجهل ومدح النفس تشبعاً بما لم يعطوا، وذلك سبب لجميع النقائص، وثانياً بأعظم منه : منع الحق من أهله بخلاً، وثالثاً بأعظم منهما : تمنى ألا يصل إلى أحد نعمة وإن كان لا تنقصهم، فحازوا بذلك أعلى خلال الذم، وكانت المساوي تضع والمحاسن ترفع، تسبب عن هذا توقع السامع لإعلاء العرب وإدامة ذل اليهود وموتهم بحسدهم فقال :( فقد ) أي فتسبب عن هذا وتعقبه أنَّا آتيناهم - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر للتنبيه على التوصيف الذي شاركوهم به في استحقاق الفضائل فقال :( آتينا ) أي بما لنا من العظمة ) آل إبراهيم ) أي الذي أعلمانكم في كتابكم أنا أقسمنا له أنَّا نعز ذريته ونهديهم ونجعل ابنة إسماعيل حالاً على جميع حدود إخوته، ويده في جميع الناس ويده على كل أحد ويد كل به ) الكتاب ) أي الذي لا كتاب إلا هو لما له من الحفظ والفضل بالإعجاز والفصل ) والحكمة ) أي النبوة التي ثمرتها العمل المتقن بالعلم المحرر المحكم ) وآتيناهم ( مع ذلك ) ملكاً


الصفحة التالية
Icon