صفحة رقم ٢٨٣
حالهم في التأخر عن المبادرة إلى القتال حال من يقول ذلك، فالمراد من الآية إلهابهم إلى القتال وتهييجهم، ليس غير.
ولما عجب عليه الصلاة والسلام منهم إنكاراً عليهم كان كأنه قال : فما أقول لهم ؟ أمره بوعظهم وتضليل عقولهم وتقيييل أرائهم بقوله :( قل متاع الدنيا قليل ) أي ولو فرض أنه مدّ في آجالكم إلى أن تملوا الحياة، فإن كل منقطع قليل، مع أن نعيمها غير محقق الحصول، وإن حصل كان منغصاً بالكدورات ) والآخرة خير لمن اقى ) أي لأنها لا يفنى نعيمها مع أنه محقق ولا كدر فيه، هي شر من الدنيا لمن لم يتق، لأن عذابها طويل لا يزول ) ولا تظلمون فتيلاً ) أي لا في دنياكم بأن تنقص آجالكم بقتالكم، ولا أرزاقكم باشتغالكم، ولا في آخرتكم بأن يضيع شيء من ثوابكم على ما تنالونه من المشقة، لأنه سبحانه وتعالى حكيم لا يضع شيئاً في غير موضعه، ولا يفعل شيئاً إلا على قانون الحكمة، فما لكم تقولون قول المتهم : لم فعلت ؟ أتخشون الظلم في إيجاب ما لم يجب عليكم وفي نقص الرزق والعمر ؟ أتخشون الظلم في إيجاب العدل وله أن يفعل ما شاء، ) ) لا يسئل عما يفعل ( ) [ الأنبياء : ٢٣ ] يحسن ويعطي من تقبل إحسانه أتم الفضل.
النساء :( ٧٨ - ٨١ ) أينما تكونوا يدرككم.....
) أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( ( )
ولما زهدهم في دار المتاعب والأكدار على تقدير طول البقاء، وكانوا كأنهم يرجون بترك القتال الخلود، أو تأخير موت يسببه القتال ؛ نبههم على ما يتحققون من أن المنية منهل لا بد من وروده في الوقت الذي قدر له وإن امتنع الإنسان منه في الصحون، أو رمى نفسه في المتألفن فقال تعالى - مبكتاً من قال ذلك، مؤكداً بما النافية لنقيض ما تضمنه الكلام لأن حالهم حال من ينكر الموت بغير القتال، مجيباً بحاق الجواب بعد ما أورد الجواب الأول على سبيل التنزل - :( أينما تكونوا ( أيها الناس كلكم مطيعكم وعاصيكم ) يدرككم الموت ) أي فإنه طالب، لا يفوته هارب ) ولو كنتم في بروج ) أي حصون برج داخل برج، أو كل واحد منكم في برج.