صفحة رقم ٢٨٦
أي خرجوا ) من عندك بيَّت طائفة ( هم في غاية التمرد ) منهم ) أي قدرت وزورت على غاية من التقدير والتحرير مع الاستدارة والتقابل كفعل من يدبر الأمور ويحكمها ويتقنها ليلاً ) غير الذي تقول ) أي تجدد قوله لك في كل حين من الطاعة التي أظهروها أو غير قولك الذي بلغته لهم، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاء بعد تسكينها استثقالاً لتوالي الحركات في الطاء لقرب المخرجين، والطاء تزيد بالإطباق، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد ؛ وأظهر الباقون، والإدغام أوفق لحالهم، والإظهار أوفق لما فصح من محالهم.
ولما كان الإنسان من عادته إثبات الأمور التي يريد تخليدها بالكتابة أجرى الأمر على ذلك فقال :( والله ( ي والحال أن الملك المستجمع لصفات الكمال ) يكتب ما يبيتون ) أي يجددون تبييته كلما فعلوه، وهو غني عنه ولكن ذلك ليقربهم إياه يوم يقوم الأشهاد، ويقيم به الحجة عليهم على ما جرت به عادتهم، أو يوحى به إليك فيفضحهم بكتابته وتلاوته مدى الدهر، فلا يظنوا أن تبييتهم يغنيهم شيئاً.
ولما تسبب عن ذلك كفايته ( ﷺ ) هذا المهم قال :( فأعرض عنهم ) أي فإنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم ) وتوكل ) أي في شأنهم وغيره ) على الله ) أي الذي لا يخرج شيء عن مراده ) وكفى بالله ) أي المحيط علماً وقدرة ) وكيلاً ( فستنظر كيف تكون العاقبة في أمرك وأمرهم.
النساء :( ٨٢ - ٨٤ ) أفلا يتدبرون القرآن.....
) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ( ( )
ولما كان سبب إبطانهم خلاف ما يظهرونه اعتقاد أنه ( ﷺ ) رئيس، لا يعلم إلا ما أظهروه، لا رسول من الله الذي يعلم السر وأخفى ؛ سبب عن ذلك على وجه الإنكار إرشادهم إلى الاستدلال على رسالته بما يزيح الشك ويوضح الأمر، وهو تدبر هذا القرآن المتناسب المعانين المعجز المباني، الفائت لقوى المخاليق، المظهر لخفاياهم على اجتهاده في إخفائها، فقال سبحانه وتعالى دالاً على وجوب النظر في القرآن والاستخراج للمعاني منه :( أفلا يتدبرون ) أي يتأملون، يقال : تدبرت الشيء - إذا تفكرت في عاقبته وآخر أمره ) القرآن ) أي الجامع لكل ما يراد علمه من تمييز الحق من الباطل على نظام لا يختل ونهج لا يمل ؛ قال المهدوي : وهذا دليل على وجوب تعلم


الصفحة التالية
Icon